مها محمد الشريف
إن المدعي الذي يحقق في وفاة المواطن ذي الأصل الإفريقي جورج فلويد في مينيابوليس أعاد توصيف الوقائع، بأن الادعاء سيوجه إلى الشرطي الذي جثا على عنق فلويد تهمة جريمة قتل من الدرجة الثانية، مع توجيه اتهامات أيضًا إلى رجال الشرطة الثلاثة الآخرين، ودخل الناس في احتجاجات وتظاهرات بعضها منظمة من حركات يسارية ومنها «انتيفيا» المتهمة بإثارة الشغب والانفجار الشعبي الذي تشهده المدن الأمريكية مؤخرًا.
فليس وعي الناس هو الذي يشرط وجودهم، إلا في علاقات محددة وضرورية مستقلة عن إرادتهم في مرحلة معينة من تطور قوى الإنتاج المادية للمجتمع لتتحول إلى مرحلة أخرى تتناقض مع قوى الإنتاج لتبدأ الثورات الاجتماعية، وبشكل عام احتشد الغاضبون في الولايات والمدن، يرددون أنه عنف متكرر من رجال الشرطة ضد ذوي الأصل الإفريقي، مشيرين إلى مقتل عدد من الأبرياء المنتمين إلى الأقلية العرقية، ونتساءل لماذا كل هذا العنف والتأجيج، وكذلك الجدل بين البيت الأبيض والبنتاغون؟ وتراشق الاتهامات بين ترامب وبايدن على خلفية مقتل فلويد، في توقيت أصعب ما يكون على العالم بأسره وليس على أمريكا فقط بعد خسائر جائحة كورونا البشرية والاقتصادية؟
لم نر من قبل جهودًا تذكر لقوانين تمنع العنصرية من الرئيس السابق أوباما وبايدن خلال ثماني سنوات مضت بالحكم، ولكن كل ما يمكن قوله إن الشخص إذا وقع بين الحرية والضرورة تبدأ في داخله حسابات جديدة كالبيع والشراء في سائر الفضائل الأخلاقية والميل نحو جهة أو أشخاص تسعى إلى إضعاف حظوظ الآخرين في الحياة، ولكن يبدو أن المجتمع من خلال مؤسساته سلطة جبارة وخصوصًا إذا وجد من يؤلب بين الناس ويحرض بعضهم على بعض، وهذا بلا شك تقوم به حركات لها ميول وأهداف تعيش بمعزل في السلم وتظهر بين الحشود المختلفة لتمارس الشغب وتترك تداعيات على المسارين السياسي والاقتصادي.
وقد تكون من الفرص التي يبحث عنها الديموقراطيون لأهداف سياسية لأن مرشحهم ضعيف ولن ينجح إلا بمعجزة وهذه الأحداث يرونها فرصة لإضعاف ترمب، فقد أسهم الإعلام الأمريكي بنقل انطباعات وتوجهات المسؤولين ومنهم، وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، معارضته للجوء إلى ما يعرف بـ»قانون العصيان»، لأجل الاستعانة بالجيش في إخماد المظاهرات العارمة التي تجتاح الشارع الأمريكي، ووصف مقتل فلويد بالجريمة المروعة، قائلاً إن العنصرية أمر واقع في الولايات المتحدة، ولذلك، يجبُ الإقرار بها ومواجهتها، على أمل القضاء عليها، بحسب تعبيره».
وفي الجانب نفسه واصلت وسائل الإعلام، التأجيج ضد ترمب المحسوبة على الديموقراطيين وقال عنها الرئيس الأمريكي بأنها مزيفة، في تغريدة عبر حسابه الرسمي بتويتر: «أشاهد واستمع إلى وسائل الإعلام المزيفة، CNN وMSDNC وABC وNBC وCBS وبعض من FOX، يتوسلون بحماقة وغباء أن يكونوا صحيحين سياسيًا، ونيويورك تايمز وواشنطن بوست، وكل ما أراه هو كراهية لي بأي ثمن، ألا يفهمون أنهم يدمرون أنفسهم؟».
فهل استغل الديموقراطيون السود لتنفيذ أجندتهم السياسية، ونجحوا في تأجيج الشارع الأمريكي ضد ترمب وتحويل الأدوات بكيفية متنامية ومتدرجة واستخدامها في الخطاب السياسي الموجه للشعب مع استمرار تصاعد الاحتجاجات لإضعاف الخصم؟.