د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
إذا أردنا أن نتحدثَ عن إدارة محتوى صحافة الأزمات ومثالها أزمة انتشار وباء [الكورونا] التي نشهدها والعالم منذ مطلع هذا عام 2020؛ فإن أول ما نقفُ عنده هو صناعة الردود، وصياغة الرأي في التقارير الواردة من جهات الاختصاص؛ فالرأي المطروح صحفيًا هو الذي تؤسسه الرؤية الوافرة لمنهج الصحيفة، وقدراتها الإعلامية والقيم التي تحملها في سياستها العامة، ومن ثم الاندماج مع القرار التنظيمي الوطني، ودعم عمليات التنفيذ إشادة ونقدًا بناء؛ فمن البدايات المحمودة تصنيف رواة الأخبار وناقليها لمستراد الصحافة وفضاءاتها؛ فالمرجعيات قد تكون في الأزمات متعددة حسب الحال والأحوال، ودور الصحافة الإسناد الصحيح للمتخصص المباشر، وطرح الآراء الثانوية المتناثرة التي يبثها المجتمع ومناقشتها منطقيًا وعقليًا؛ والأهم من ذلك صناعة القناعة بقضية النقاش من خلال جملة من المؤشرات والمصادر؛ ومن ثمّ استحضار ذلك كله في قوالب صحفية مضيئة تؤصّل لواقع المجتمعات وأحوالهم المرتبطة بالتأثر والتأثير بواقع الأزمات؛ فالصحافة في مجملها صناعة دقيقة لها مواصفات ومقاييس يلزم التحرك من خلالها، والصحافة في وقت الأزمات سلاح مواجهة حاد كما أنها مبضع تطمين نفسي ينبغي أن يستل لا ليناضل فحسب؛ بل ليبث اليقين بالقدرات الإنسانية التي صنعتها إرادة الله لتجاوز الأزمة، وانتصار الذات المجتمعية على نوازعها التي قد تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في اشعال أوار الأزمات خاصة ما يمس حياة الناس بشكل مباشر؛ وجميل أن تكون صحافة الأزمات في حيازة المنصفين، والأجمل أن يحملها العقلاء الذين يتأملون ويقولون ويفعلون، فيصبح منبر الصحافة في الأزمات نصيرًا للمرجعيات النظامية المباشرة، ويصبح منبر الصحافة قوة متينة لإقناع الناس بجدوى القرارات وصوابها، ويصبح منبر الصحافة منبعًا لحزمة من الإيجابيات المتراكمة التي تصبُّ في صالح الخلاص من الأزمة، ولقد دفعني إلى الحديث عن صحافة الأزمات تلك التناقضات في تحميل واقع الأزمة الصحية الحاضرة [الكورونا] حمولاً من التشاؤم المحاط بكم من الآراء متذبذبة المصادر التي زرعتْ لدى الناس استعدادًا للاشتباك مع ذوي التخصص ومقاسمتهم المعرفة العلمية والعملية ولا شك أن ذلك مما منحتهم إياه منابر بعض الصحف؛ فبدا انشقاق بعض الناس على القرارات الاحترازية، وأصبحت الأزمة الصحية متأزمة مأزومة، وأضحت الشائعات معبرًا ومزارًا لكثير من الناس.
ولذا فإننا نتفق أن القلم الصحفي الحرّ يضم الوعي بالأهمية والحاجة التي اخترعتْ الصحافة تحديدًا لتحتضنها، ويمكن تشبيه صحافة الأزمات بالجسور الأكثر إلحاحًا لتمتد وتعبر؛ والجسور هنا مغامرة محفزة عندما يلمع من خلالها قلم الكاتب الصحفي بالحقيقة ويخدم موضوعًا اجتماعيًا وطنيًا في سلاسل مثلى من الطرح الاستقصائي الزاخر الذي يكون على نحو دالٍّ كل الدلالة في لحظات زمنية حينما يعطي أوار الأزمات كل مسوغاتها؛ والضابط هنا أن يكون محور نقاش الكاتب الصحفي الذي يُطرح خلال الأزمات متجهًا للمستقبل ولمؤشرات الخلاص من الأزمة، وأن يكون استدلال الصحيفة ممكنًا وقويًا وفاحصًا، وأن تكون النقطة المحورية التي تتكئ عليها الصحيفة هي أن يُحدثُ فيها تغيير حقيقي في الرأي الآخر أعمق استيعابًا، وتشرق من خلالها المعلومات القديمة المحفوظة عن موضوع الأزمة اتكاء على عملية تحويل استعاري، أو غرس بعض المعاني الممكّنة من الوصول إلى الحقيقة..
وأعود هنا إلى صحافة الأزمة (الكورونية) تلك الأزمة التي «طارت شعاعا» في قلوب المجتمعات محليًا وعالميًا حيث القرارات الاحترازية المتوالية تباعًا التي تنشد السلامة الصحية وعدم الانتشار والتفشي؛ وحتى لا يأتي اليوم الذي تنكفىء صحافة الأزمات على ذاتها وتفقد مصداقيتها المعلوماتية فواقع الأزمة لا يخفي على ذي لبّ!! ولكن الصحف ليست مخولة لصناعة اللقاح وتأمين العلاج من خلال منبر الصحافة فأهل الصحة أدرى بشعابها.