المنظر: خلفية صفراء تحيل إلى صحراء مع صوت ريح
يظهر ممثل فوق الخشبة يأخذ وضع القرفصاء لثوان.. قبل أن يروح ويجيء بطول المسرح، ثم يروح ويجيء بعرض المسرح مرات عدة، يتأفف أثناء الجيئة والذهاب، يظهر شعوراً بالقلق يتوقف على: ((صوت دوي)).
الممثل: ما كان للإنسان أن يستمتع باكتشاف مسرات الكون كلها إذا لم يكن له شريك يتقاسم معه مباهجه..
يتحرك فوق الخشبة وينثر حديثه
((مونولوج)):
تحت إملاءات اللامرئي نجد أنفسنا معزولين بعيداً عما تعودناه، من الصعوبة على النفس قبول أوضاع جديدة وغير طبيعية، فلا الأبناء يستعدون للذهاب للمدارس ولا الموظف يتهيأ لعمله، ولا حتى البقّال يستعد لفتح محلّه.
صوت: ينتظر الكون ما هو أنكى وأمرّ.
يجثو الممثل على ركبتيه مذهولاً..
ينسحب الضوء تدريجياً مع صوت مؤثر
(أنين)
(إظلام))
خلفية سوداء تتوسطها شاشة عرض
سبوت لايت على شاب يجلس على طاولة وأمامه حاسب آلي يكتب على جهازه: الخامس من نوفمبر..
أنباء عن حشود هائلة من كائن غريب يغزو الأرض ويحصد أرواح البشر..
(تظهر الكتابة على الشاشة الخلفية).
يفتح كتاباً على الطاولة:
(الديكاميرون) يقرأ فيه بصوت عالٍ:
كم من الرجال والشباب والفتيات والكهول تناولوا فطورهم الصباحي مع أسرهم وأصدقائهم، ليتعشوا في الليلة التالية مع أسلافهم في العالم الآخر.
الممثل يغادر الطاولة بذهول: هل التاريخ يعيد نفسه؟! أم نحن على موعد مع النهاية والفناء؟! يجثو على ركبته ويبكي..
ينسحب الضوء (إظلام)
من يمين المسرح يدخل مريض على كرسي طبي يدفعه ممرض..
المريض بصوت مُتعب: استجمعت كل قواي من أجل الانتصار على مرض السرطان، كنت سأحتفل بانتصاري عليه.. لكن هذا لن يحدث.. لن يحدث
..لن يحدث (يبكي بحرقة).
ممرض يحاول تهدئته: سيحدث هذا بمزيد من الصبر والعزيمة.
المريض: الوحش القادم سيؤجل الاحتفال بالشفاء إلى الأبد.. ينزل عن كرسيه (يدفع الممرض بعيداً) يجمع المعقمات، الملاءات الطبية، علب الأدوية.. يرسم على العلب عيون وفم وأنف..
يصنع من الملاءات دمية ليد إنسان..
يضع العلب والدمية على الطاولة والكرسي
يتصرف كالمجنون (يحادثها)
يتقمص دور الطبيب:
الزموا بيوتكم.. لا تصافحوا بعضكم.. اعلموا أن أيديكم هي عدوكم.. الأصابع العشرة أخطر من أصابع المتفجرات وأفتك من الرصاص..
اقطعوا علاقتكم مع هذا الوحش..
وحش.. وحش.. وحش..
من الأعلى تسقط كف كبيرة تستقر في وسط المسرح..
بقعة ضوء ثم إظلام تام.
ضوء خافت: الفضاء مختبر علمي.
ممثل يرتدي ملاءة عالم كمن يبحث عن شيء..
قبل أن يسأل: أين تقف؟.. لم لا تجيب؟
أنا أختلف عنهم.. سأساعدك.
قامة بلباس أسود.. تنتعل حذاءً أبيض لا تتضح معالم القامة ذكراً أم أنثى..
تمشي بتؤده من يسار المسرح..
كمن يتحسس الطريق..
تلتفت يمنة ويسره كمن يبحث عن فريسة.. تنحني وترتفع.. تنبطح وتزحف مع تدوير رأسها يميناً ويساراً.. تقف تتجول في الأرجاء.. تمسك بالأسطح والجدران.. تقهقه ثم تتجه نحو العالم المنهمك في معاينة عينة في محلول.
تقف أمامه تحذره
لو فكرت أن تؤذيني.. أن تقترب مني.. أن تكتشف مصلاً ستكون ضحيتي،
تضرب بيدها على طاولته المجاورة صوت دوي.
إظلام تام لثوانٍ.. ثم إضاءة..
صوت ساعة.. تك.. تك.. تك
العالم: يرتجف يا لقسوة الثالثة
لم يتبق سوى ساعة واحدة
سأذهب لقضاء ما أحتاج إليه على عجل، ثم سأعود لعزلتي..
يغادر المسرح..
ينسحب الضوء تدريجياًَ.
إظلام لثوانٍ
ثم سبوت لايت على أحد جانبي المسرح..
ممثل يحمل باقة من الورد..
مؤثر: (أغنية أنا معي ورد لكن ما معي موعد.. من يشتري الورد مني لجل ميعاده)
يقف في منتصف المسرح فور انتهاء الأغنية
يناجي الممثل باقته ويتجول فوق الخشبة
((وحيدان يافل في المعتزل
وحيدان صرنا نخاف المساء
كما ينقضي الليل من دون أن نتربع فوق عروش الصبايا
وقد كنت يا فلّ أخشى الصبايا
وأصبحت يا فل أخشى من الساعة الثالثة))
ضوء خفيف على أرجاء المسرح
تدخل القامة السوداء خفية
يلتفت الممثل لوجودها..
يرتعد.. تسقط منه الباقة يخرج مسرعاً..
تتجه القامة نحو باقة الفل تلتقطها: سأجعل روائح الجثث تحتل أجزاءك..
تقهقه.. ترمي باقة الفل..
ينسحب الضوء تدريجياً..
تختبئ القامة في جانب من جوانب المسرح وتتمدد.
((إظلام))
بقعة ضوء
ممثلان يتدافعان ويتعاركان على بقعة الضوء، كل ممثل يحاول احتلالها بالكامل، كلما حاول أحدهما إخراج الآخر عاد بقوة ودفعه يستمر العراك لمدة دقيقتين،
يزداد العنف بينهما.. ثم تضاء المساحة كلياً.. شاشة في الخلفية العلوية
عليها عبارة الرحلات القادمة
على يسار المسرح مشاجب عليها..
أزياء ملونة- أغطية للرأس- ماسكات- قفازات- خراطيم تعقيم.
يدخل الممثلون تباعاّ
يمر كل ممثل على المشجب يرتدي الزي كاملاً:
(بدلة/ غطاء رأس/ قفازين/ كمام/ ماسك) ويمسك بخرطوم تعقيم.
صوت جرس الإعلان في المطار عن إعلان مواعيد الرحلات:
ممثل1: الإفصاح عن جهة القدوم مهم للغاية: حدد جهة قدومك.
ممثل2: من ممرات الاعتراف بالآخر.
ممثل1: موعد الوصول.
ممثل2: عند اقتراب الفيروس من الانتشار.
ممثل1: بوابة المغادرة.
ممثل2: المؤدية إلى الفرج.
يرشه الممثل1 بالخرطوم ويسمح له بالدخول إلى منتصف المسرح.
يتقدم الممثل3
الممثل1: إفصاح (( جهة القدوم ))
الممثل3: من أعالي الشكوك في وجود مؤامرة.
الممثل1: موعد الوصول: ستعرفون بمجرد اكتشافها والتيقن منها.
الممثل1: بوابة الوصول.
الممثل3: بوابة من سيأتون دون تأشيرة سفر.
يرشه بالخرطوم ويسمح له بالتوجه نحو منتصف المسرح.
يتقدم الممثل4.
الممثل1: (إفصاح).. رحلة القدوم.
الممثل4: من شفاه المكلومين بوجع المرض ومن آهات المسنين.
الممثل1: ليس مسموحاً لك بأكثر من جهة.
الممثل4: الرحلة ترانزيت يا سيدي.
الممثل1: اختر المحطة الأخيرة.
الممثل4: من آهات المسنين الذين يحتفل برحيلهم من أجل فرصة عمل.
الممثل1: موعد الوصول؟
ممثل4: في كل حين.
ممثل1: البوابة.
ممثل4: المفتوحة على الدوام وطوال الأزمنة..
يسمح له بالدخول بعد الرش والتعقيم.
ممثل5 يتقدم دون اتداء الزي.
ممثل1 يعيده للمشجب.
يرتدي الممثل5 الزي كاملاً ثم يتقدم.
الممثل1: إفصاح.
الممثل 5 : من روائح الجثث.
الممثل1: موعد الوصول؟
الممثل5: عند الرمي بالشهوات..
الممثل1: والبوابة؟
ممثل5: بوابة لا يخرج منها من ولجها.. تنسحب الإضاءة تدريجياً.
تُسلّط الإضاءة على القامة في أقصى يمين المسرح.. ترمي القامة قفازاً.
مؤثر: صوت دوي
صوت من الخارج: المكان موبوء..
مؤثر صوتي: رعب
يقترب أحد الممثلين من القفاز
صوت: انتبه.. لا تقترب منه.. لا تلمسه.. لا تشم رائحته، يختبئ فيه فيروس الوباء الغامض.
يتراجع الممثلون، يرتبكون قليلاً، يتحركون عشوائياً.
الممثل1: تعالوا: نواجه القفاز...
ممثل3: كيف نشكل جبهة؟
ممثل 2: أوضح لنا كيف نتصرف بسرعة.
نستدعي الممثلين الاحتياط، نقف في طوابير، نعقم المكان..
يدخل 5 ممثلين من الخارج يبدأون في عمل تشكيلات بالجسد دائرة ثم مربع،
وأخيراً يشكلون على إيقاع مؤثر مناسب صفين متقابلين من يسار المسرح يمشون مشية عسكرية يقتربون من بعضهم أكثر كتفاً بكتف حين يصلون إلى يسار المسرح تخرج القامة من يمين المسرح، يتوجهون نحوها يوجهون خراطيم التعقيم نحو الأرضية في منتصف المسرح.. يتباعدون ويسمحون بمرورها دون أن تلمسهم.. تتكرر اللعبة عدة مرات، تترنح القامة وتسقط قبل وقوعها تلامس أحد الممثلين، يسقطان معاً.
الصوت: تصفيق
نجحتم في القضاء عليها مع وجود ضحية.. احذروا من أخريات.
مسيرة جنائزية
توابيت تعبر المسرح سريعاً يتبعها الممثلون مع مؤثر جنائزي.. تنسحب الإضاءة تدريجياً قبل أن تعود على راعٍ في منصف المسرح يعزف الناي، وفي الخلفية: براري وقطيع من الخراف تتبدل الخلفية إلى مذيع تلفزيوني..
أهم الأنباء:
تعلن منظمة الحكايا المرعبة عن انحسار الوباء الغامض واللامرئي، بعد أن خلف وراءه 30 مليون قتيل، وخسائر اقتصادية فادحة أعادت العالم إلى القرون الوسطى وتود المنظمة (أن تحذر من احتمالية ظهور وباء فتاك ينتقل بطريقة أكثر غرابة)..
ينصرف الممثلون نحو مشهد حركي..
مصافحة بالأرجل على النحو التالي: من وضع الوقوف تلامس باطن القدم اليمني لكل ممثل القدم اليمني لزميله ثم تلامس بالقدم اليسري، قفزة مع استدارة، بحيث يعطي كل ممثل ظهره للآخر.. مصافحة بالمرفق الأيمن ثم مصافحة المرفق الأيسر..
يكرران المشهد عدة مرات تحت مؤثر نهاية الأخبار التلفزيونية..
إظلام تام
النهاية
** **
ناصر بن محمد العُمري