يُحسب لمعالي وزير الشؤون الإسلامية مساهمته في تعزيز الوعي المجتمعي بالتحذير من خطورة سعي أصحاب الأجندات الخاصة للتسلل إلى الجمعيات الخيرية. ويحسب كذلك لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الإشادة بدور الجمعيات، وعدم نفي إمكانية وجود بعض الأخطاء والتجاوزات والتشكيك فيها واتهام القائمين عليها؛ الأمر الذي دعا مجلس الجمعيات الأهلية بصفته ممثلاً للجمعيات بالمملكة لإصدار بيان بهذا الشأن، أوضح فيه المرجعيات النظامية والرقابية للجمعيات.
والحقيقة إني لا أخفي مدى صدمتي في الوقت ذاته من لغة التعميم والكلام الفضفاض المرسل الذي يطلقه البعض ضد الجمعيات، وتجاهل الإنجازات العظيمة لها، والجهد الاستثنائي الذي يبذله القائمون عليها. ولا أجد مبررًا لتلك الحدة. ولو أنهم أزالوا أغطية مناظيرهم قبل أن يسارعوا في نقدهم الحاد لرأوا كم ذلك البهاء والتفرد في سماء جمعياتنا الخيرية، كما أن بعض المدافعين عن الجمعيات قد مارسوا الأسلوب ذاته المثخن بالمغالطات، مثل الاتكاء على الحس الوطني، وعدم انتقاد الجمعيات لازمة من لوازمهم!!
وحري بي اليوم كمعايش ومتابع للقطاع الخيري أن أقول بكل صدق إن النفي المطلق لبعض هذه السلبيات مجانب للصواب، وإن إعطاءها أكبر من حجمها، وجعلها مبررًا للانتقاص من جهود القطاع الخيري مجانب للصواب كذلك، ولاسيما أن جهود وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في الإشراف على الجمعيات تتسم بالمرونة والمواكبة للمتغيرات، وسد الثغرات، والتحسين المستمر لأدوات حوكمة الجمعيات ومراقبتها بغية تمكينها من أداء الدور المنشود منها في رؤية المملكة 2030 التي جعلت من القطاع الثالث محور ارتكاز، وسعت لتعزيزه وتمكينه عبر مجموعة من المستهدفات والمبادرات.
غير أن الاستثناء قد يطلُّ بين الفينة والأخرى، وحكمه حكم النادر الذي يعالَج بقدره دون تهوين ولا تهويل. وحتى يتم وضع الأمور في نصابها فإن حديثي هنا ينصبّ على الاستثناء النادر، لا الأصل الغالب، إسهامًا في تعزيز الوعي المجتمعي، ومساندة الجهات الرسمية في مواجهة تلك الحالات -إن وُجدت- ولاسيما أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تعمل جنبًا إلى جنب مع الجهات كافة ذات العلاقة لضمان قيام الجمعيات بدورها الذي أنشئت من أجله. وثبت للجميع نجاعة تلك الجهود وريادتها في إبعاد الجمعيات وأموالها عن أيادي الخراب والإرهاب. وأمام تلك الهمم الشامخة والعمل الدؤوب لا يتوقف أصحاب المشاريع الخفية عن العمل في دهاليز الظلام في محاولة للظفر بأي ثغرة يتسللون منها للمجتمع. وهنا يأتي دورنا نحن المواطنين بأن نواكب تلك الجهود بوعي متجدد، يجعل من المواطن رجل الأمن الأول بحق.
إن التاريخ كفيل لإثبات أن نضج العمل الاجتماعي معيار قوة للمجتمع، كما أنه قد يكون خاصرة لينة أيضًا عند محاولة أصحاب الأجندات الخاصة التسلل من خلاله لما تتسم به مجتمعاتنا من صفاء يجعلها تغلب حُسن النوايا وسلامة المقاصد؛ الأمر الذي يُبقي احتمالاً لأن تُتخذ الجمعيات كوسيلة للتغلغل وخلق الحواضن الشعبية لتنظيمات حركية، وبخاصة من جماعات الإسلام السياسي التي اعتادت على التدثر بالواجهات لإخفاء حقيقتها عن الناس.
ولعلي لا أذهب بالذاكرة بعيدًا عندما نستحضر قوة ونشاط وانتشار الجمعيات التابعة لإحدى الجماعات الإرهابية في دولة عربية شقيقة، التي انتهت بمشهد درامي سبق أن حذر منه الكثيرون، وتجلت معه حقيقة تلك الجمعيات، وأنها كانت مجرد أدوات تعزز نفوذ تلك الجماعة، وتوفر الحواضن الشعبية لها لتمهيد طريق الوصول إلى السلطة، وصناعة نموذج يتم استنساخه في بقية الدول!!
إن وجود التراخيص النظامية لأي جمعية ليس حجة تقطع بعدم احتمال تسلل بعض هؤلاء إلى الجمعيات؛ ذلك أن الجمعيات مؤسسات مجتمعية، تقوم على الأفراد الراغبين في تكوينها أو الانضمام إليها، وتتعاطى مع المجتمع، وتحتك بسائر أفراده عملاً أو تطوعًا أو تبرعًا أو استفادة.. وهنا يأتي دور الوعي المجتمعي؛ ليكون يقظًا وسدًّا منيعًا أمام مثل هذه التسللات، وسندًا فاعلاً للتنبه لكل ما يعرض عليه، والمبادرة بإحاطة الجهات المختصة عن أي اشتباه أو وقائع مشكوك فيها.