يمتاز الأستاذ/ عمرو بن بحر الجاحظ في عصر في سعة ثقافته وعمقها فقد شملت كل المعارف والعلوم في زمانه على اختلاف تعددها وتعدد منابعها، وظل يحصل على هذه المعلومات المتنوِّعة والمتعددة ويحاول بقدر الإمكان على نشرها لفترة طويلة من الزّمن وقد منحه الله ذكاء نافذاً وصبراً غريباً، وذهناً لاقطا، وحافظة أمينة لقد أخذ العلم عن شيوخ عصره - فقد كان في عصر ثلاثة نجوم بارعين ولا معين في اللُّغة والأدب -أمثال:-
1. الأصمعي.
2. أبو عبيدة.
3. أبو زيد الأنصاري.
1 - أما الأصمعي فكان عالماً واسع العلم باللُّغة وواسع العلم بالشّعر العربي يحفظ الكثير والكثير من القصائد.
2 - أما أبو عبيدة فكان لا يصل إلى درجة الأصمعي في اللُّغة والشعر والنّوادر وكان واسع العلم بأنساب العرب يعرف شتىَّ القبائل وتسلسلها ومثالبها ومفاخرها وكان واسع العلم بأيَّام العرب وكان يعرف أخبار الأمم وأحداثها التَّاريخيَّة وفوق ذلك كان رجلاً داهية ماكراً.
3 - وأما أبو زيد الأنصاري فكان رجلاً طيب القلب يعشق اللُّغة، وكان ثقة صادق القول والعمل فكان حريصاً على روايته وعلمه أكثر وأكثر من الأصمعي وأبو عبيدة. فقد أطلق عليه سيبويه الثّقة ولكنَّه تارة يكون حاطب ليل يروي ما يسمع ولا يعرضه للامتحان.
فهؤلاء الثّلاثة الذين ورد ذكرهم آنفاً هم مثقفو الجاحظ في ناحية من ثقافته اللُّغوية والإخبارية والأدبية، وقد تشرب منهم جميعاً وأخذ ما عندهم وتأثر بأرواحهم فأخذ الفكاهة، والمداعبة من معلِّمه الأصمعي.
وأخذ من معلّمه - أبو عبيدة مكره ودهاءه مع سعة علمه فكان واسع الحيلة واسع العلم.
وأخذ الجاحظ النّحو على يد أبي الحسن الأخفش وقد أتم الجاحظ ثقافته اللُّغوية والأدبية في (المربد) فكان يرحل إليه (ويتلقف منه الفصاحة) فقد عكف الجاحظ على قراءة الكتب بشتىَّ أنواعها فقد قال أبو هفان - (لم أرقط ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنه كان يستوفي كل كتاب يقع في يده حتى أنه كان يذهب إلى محلات الوراقين ويبيت فيها النظر).
فكان الجاحظ يملك عقلاً جباراً، وقلما متدفقا ويملك ثروة ضخمة من العلوم والمعارف والمهارات فقد تثقف الثقافة العربيَّة والثّقافة الفارسية وعرف لغتها فنقل منها الكلمات والجمل بنصها في كتبه، وأخذ يفسر معانيها وتثقف بالثقافة اليونانية ونقل منها.
فقد قصد التآليف فهو يؤلف في التّاريخ ويؤلف في مجال الأخلاق ويؤلف في مجال الحيوان ويؤلف في مجال المعرفة وكذلك في البلاغة والأدب وفي الاجتماع والاقتصاد ثم نقل حدود الأدب إلى أبعد مدى بعد ما كان الأدب مقصوراً على الأقوال اللبقة الجميلة جعله شاملاً لكل موضوعات الحياة.
رحم الله الأستاذ/ عمرو بن بحر الجاحظ فقد تثقف فأجاد في ثقافته، وعرض معارف النَّاس لوقته فأجاد في عرضه.
والله الموفق والمعين.