محمد سليمان العنقري
الإقفال الكبير للعديد من الأنشطة بسبب الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي وباء كورونا خلف تداعيات اقتصادية كبيرة على تلك الأنشطة خصوصًا، والاقتصاد عمومًا؛ فقطاع التجزئة وما يندرج تحته من أنشطة تقدر بالمئات جميعها تضررت بنسب متفاوتة باستثناء متاجر بيع المواد الغذائية والطبية، لكن الإجراءات الحكومية التحفيزية التي اتُّخذت منذ بداية هذا الإقفال سيكون لها دور كبير باستيعاب التداعيات السلبية على العديد من الأنشطة الاقتصادية، ومع إعادة العمل بالتدريج لتلك الأنشطة، الذي بدأ هذا الأسبوع، فإن الأنظار ستتوجه لعوامل عدة، سيكون لها الدور الأكبر في الوصول لعودة حياة طبيعية كاملة، وخصوصًا بالجانب الاقتصادي.
ولعل استمرار انحسار عدد الإصابات وزيادة حالات التعافي سيكون لهما الدور الكبير بالوصول لهذا الهدف الذي ينتظر الوصول له بعد أقل من ثلاثة أسابيع إلا أن أي عودة لزيادة حالات الإصابة بالمرض، بما يشكّل ضغطًا على النظام الصحي، وكذلك عدم التقيد بالإجراءات الاحترازية المطلوبة من الأفراد ومنشآت الأعمال، قد تؤخر هذه العودة للحياة الطبيعية؛ وهو ما يعني أن المجتمع أصبح له الدور المهم في الوصول لهذا الهدف بعد أن اتخذت الدولة كل الإجراءات المناسبة للحد من انتشار المرض، وكذلك تخفيف آثار تداعياته السلبية لأكبر قدر ممكن؛ فلا يمكن تجاوز كل السلبيات، إنما الحد منها. وفي علم الإدارة «القرار الجيد هو الذي يقلل من السلبيات»، وهو ما تحقق -ولله الحمد- حتى تاريخنا الحالي. لكن المرحلة الثانية التي بدأت حاليًا للتعامل مع هذا الوباء تتطلب جهدًا مشتركًا أوسع، وخصوصًا من المجتمع بشرائحه كافة، وذلك بالالتزام بالإجراءات المعلنة.
لكن العامل الأهم لعودة الحياة الطبيعية يبقى العامل النفسي للمستهلك تحديدًا؛ فحتى تعمل الأنشطة كافة بشكل اعتيادي، وتصل لمرحلة ما قبل ظهور هذا الوباء، لا بد من تعزيز كل الإجراءات والعوامل التي تزرع الثقة عند الفرد؛ لكي يعيش حياته ويتعامل مع المتاجر والأنشطة الأخرى كافة، كالمطاعم وغيرها، وهو مطمئن بأن إجراءات السلامة تطبق تمامًا كما تم إعلانها من قِبل الجهات المختصة، وهذا بالضرورة يتطلب التزامًا تامًّا من المنشآت التي تتعامل مباشرة مع الجمهور أن تطبِّق قواعد السلامة بدقة عالية حتى تكسب ثقة العميل؛ فهذا سيحقق أهدافًا عدة، منها إزالة أي ضغط نفسي أو مخاوف عند المستهلك لارتياد تلك المنشآت بمختلف أنشطتها، وسيكون ذلك أيضًا عاملاً مساعدًا للحد من أي عودة لانتشار الوباء، ويسهم في الانحسار مع بقية الإجراءات المتخذة على القطاعات كافة؛ فالثقة ستكون هي الهدف المنشود من قِبل قطاع الأعمال لعودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية عمومًا إلى طبيعتها.. فالعامل أيضًا يحتاج إلى الاطمئنان على صحته وسلامته كحال أي عميل يزور تلك المنشآت. فالتركيز على عامل زرع الثقة يعد هو الحاسم في حسر التداعيات النفسية التي خلفتها هذه الجائحة إلى أن تنتهي بالوصول للقاح أو علاج أو الانحسار النهائي.
كل الإجراءات التي اتخذتها الدولة لحماية سكان المملكة من مواطنين ووافدين حققت الأهداف المرصودة في المرحلة الأولى بالغة الأهمية؛ لأنها كانت مع وباء مجهول للعالم بأسره، والآن يعد الانتقال للمرحلة التالية الخطوة الأكثر حساسية التي يشارك بها المجتمع مع الأجهزة الحكومية للوصول لحياة طبيعية، وعودة النشاط الاقتصادي والاجتماعي لما كان عليه قبل الجائحة الذي يرتكز على العامل النفسي لدى الأفراد. فكلما زاد التقيد بالإجراءات والتعليمات كان الوصول للهدف المنشود بعودة الحياة لطبيعتها أسرع وأقرب.