إبراهيم بن جلال فضلون
مرت قرون عديدة وحُقبِ تاريخية سجلتها البشرية في صفحات العنصريين ممن انتهكوا فيها حقوق الحُريات وسادت فيها العبودية والتمييز العنصري، لتظل ظاهرة تاريخية مُعقدة تأبى أن تنتهى رغم الحركات المدنية التي ناضلت لإنهائها منذ الحقبة الاستعمارية والتوسعية للأمم، في مطلع القرن التاسع عشر، وحتى ستينيات القرن العشرين، بدءًا من روادها ممن شرفني أن أُألف عنهم كُتباً، «مارتن لوثر كينج»، و»روزا باركس»، وعانوا من الواقع الأمريكي على الأفارقة - أي الأمريكيين من أصول أفريقية - أو كل من خلقه الله أسود ومُنح حقوقًا مدنية مساوية البيض بموجب قانون الحقوق المدنية الصادر في العام 1965، إلا أن التمييز والعنصرية مازالا قابعين في نفوسهم عبر حوادث القتل المتكررة لهم على يد رجال شرطة، وليكون لسان حال البيت الأمريكي ممن لديهم أفراد يعملون كحماة لوطنهم، رجالا صالحين... يمنحونهم السلطة حال كانت حياتهم بخطر.. لكن عندما يكون رجل مقيد اليدين ومُلقى على الأرض، حينها لا يُمثل تهديدًا بينما يقف إخوتك حولك يراقبونه، وهو يُكافح صارخاً «أرجوك.. لا أستطيع التنفس»، وتكون ركبته البهيم على رقبته بدلاً من ظهره، قاطعًا بذلك مسرى الهواء، وكأنما ملك الموت قد رأف لحاله فأخذ روحه لباريها، مذكراً ما يقوم به اليهود وجنوده في الفلسطينيين عندما يطلقون عليهم الرصاص ويتركونه ينزفون حتى فراق الحياة.
وعلى مبدأ تقييد الحكومة، فقد أسس الأمريكان دولتهم عبر خمسين عاماً فقط بمارد اقتصادي ديناميكي، صدح بها «دوايت» في قصيدة شعبية قديمة: «لنخمد صخب الحروب، ولنُعطِ السلام للعالم». حينها قوبل نداؤه بالرفض من قبل المؤسسين عن أي رغبة في مشاركة التجربة الأمريكية مع العالم، وكأنه تهديد محتمل للدولة الحديثة وتجربتها، حيث لا يُريدون أن تمر أمريكا في تجربة ثورة مريرة كما حدث في فرنسا وغيرها. ليُعبر عن حرياتها من قبل وزير الخارجية آنذاك جون كوينسي آدامز في عام 1821 قائلاً: «أينما كان معيار الحرية والاستقلال سيكون هناك قلب (أمريكا)، وبركاتها، وصلواتها لكنها لا تذهب إلى الخارج بحثا عن الوحوش».
وبالتالي سمحت أمريكا لنفسها بأن تخدع العالم بمظاهر ديمقراطيتها، التي أعلن عنها توماس باين ضاربةً بالمُثل العليا الأخلاقية عرض الحائط البشري، بميلاد أُمة، تُقيد حُريات الأخرين إلى احتكار وفساد، حتى بداخل مجتمعاتها المُتشتتة، على أنقاض الأمم الأصيلة فيها، وكان عليها أن تتعامل مع عار العبودية الرهيب وآثاره والحقوق والمساواة، منذ تدمير المواطن الأصلي وملاحقة السود بالصراخ والشتائم العنصرية كما حدث لفتاة أمريكية عام 1957 أثناء دراستها الجامعية، ثم قتل شرطيان أمريكيان شابًا أسود بـ20 رصاصة في مارس 2018 ، لتقوم المحكمة بتبرئتهم، لتختتم قصتهم بـ»قلويد».
أي شكل من أشكال الحكومة التي يديرونها أليست عُنصرية، نهى عنها الدستور الأمريكي القائم على حقوق المواطنة والمواطن (ورقياً، دون تفعيل له عملياً)، والدليل حوادثها التي تُصيبك بالذهول من تعامل رجال الشرطة اللاقانوني واللأخلاقي، متوجاً بالوحشية وعدم الرحمة أمام نداء التنفس، لتكون الاستجابة القاسية، العنصرية، القتل، الذي صار سمة بل مرضا مُستمرا في أصول الأمريكان العنصريين، ممن ضاقت بهم الأنفس التي زُهقت أرواحها وصار لها كود في العنصري، آخرها «فلويد» بجملته «لا أستطيع التنفس» 15 مرة، ليس مرة واحدة أو اثنتين، في نية مُباشرة في القتل، لترأُف لها الدنيا ولم ترأف لحالها ركبة هذا الشرطي القاتل.