عبدالوهاب الفايز
أهم أمر لمسناه في (رؤية المملكة 2030) هو اتجاهها لمعالجة إشكالية الاعتماد على الخطط القصيرة، وأيضًا الاعتماد على مصدر واحد للدخل لتغذية الميزانية الحكومية؛ فهذا أدى إلى إشكالية (تعثر مشاريعنا وتأخرها)، وبخاصة مشاريع البنية الأساسية. وقد رأينا كيف اضطررنا إلى تحمُّل نفقات مضاعفة لإنجازها بتكاليف عالية مضاعفة!
بيدنا الآن فرصة لمعالجة إشكالية ارتفاع نفقات إنشاء المشاريع الحكومية، وتحقيق الاستدامة المالية. وهنا نعود إلى الحاجة التي ظلت محل إجماع النخبة القريبة من المسؤولية الحكومية، ونقصد هنا ضرورة العودة إلى إيجاد (جهاز حكومي مركزي، يتولى بناء مشاريع الحكومة الأساسية)؛ فهذه آلية عملية لرفع كفاءة وجودة المشاريع الحكومية، وتوجُّه بعيد المدى للاستفادة من مواردنا المالية.
الحاجة التي تجد الإجماع عليها هي ضرورة العودة لـ(إنشاء وزارة للإنشاء والتعمير)؛ فهذه حاجة وطنية أكثر من يتفق عليها القيادات الحكومية، وبخاصة في السنوات الماضية التي شهدت طفرة مشاريع البنية الأساسية. لقد عانى الوزراء والقيادات من مشكلة متابعة إنشاء المرافق في قطاعاتهم؛ فهذه تستهلك الوقت والجهد، وتأخذهم عن الأمور الحيوية.
هذه الوزارة لن تضيف أعباء جديدة في التأسيس أو التشغيل حين ينقل لها جميع العاملين في الإدارات الفنية والهندسية. أما نطاق عملها الأساسي فهو تولي مسؤولية بناء المشاريع الحكومية بما يتطلب ذلك من إعداد التصاميم، وطرح المناقصات، واختيار المقاولين، وترسية العقود، واستلام المشاريع.. وغيرها.
من بين المنافع في هذه الوزارة توفير الوقت الضروري الذي تحتاج إليه القيادات الحكومية لاستثماره في إنجاز الأمور المطلوبة منها وتحت مسؤوليتها. وأيضًا توفير الوقت للتواصل الفعال المنظم مع الناس للاستماع إليهم، وكذلك التواصل مع الشركاء في المصلحة من مفكرين وقادة رأي، وأيضًا توفير الوقت للتفكير والتحليل وبناء العمل المؤسسي، والتخطيط للمستقبل، والبناء المستدام للموارد البشرية، وتهيئة الصف الثاني للقيادة، والاهتمام بكل ما يؤدي إلى الوحدة والتميز في العمل، وتدوين تجارب النجاح والفشل. أي بناء ثقافة عمل محترف ومؤسسي مستدام. أيضًا آلية العمل الموحدة هذه تؤدي إلى (رفع كفاءة العقود الحكومية)، وتعطي الفرصة لتوحيد الشراء؛ فهذه آلية ترفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتعزز قوة التفاوض، والأهم تمكن من تطبيق الأنظمة التي وُضعت لزيادة المحتوى المحلي، وتعظيم دورة الريال في الاقتصاد الوطني.
كذلك تضبط أداء قطاع المقاولات، وتحافظ على استقرار شركات المقاولات. وهذا في مصلحة الحكومة؛ فقطاع المقاولات شريك أساسي في التنمية. ومع الأسف القطاع العام في السنوات الماضية لم ينظر لهذا القطاع كشريك؛ وبالتالي ظللنا نرى شركات المقاولات أول من يتدهور بسبب الأوضاع المالية.
لقد نجحت أرامكو في بناء صناعة الطاقة؛ لأنها تعاملت مع المقاولين كشركاء؛ لذا حرصت على تأهيلهم وتدريبهم، ورفع مهاراتهم، وصرف مستحقاتهم. لقد بنت قدراتهم الفنية والإدارية عبر آليات عملها المؤسسي. وأرامكو نقدمها كأحد النجاحات التي تفخر بها بلادنا. هذه تجربة يجب أن نتعلم منها.
من الميزات العديدة أيضًا إيجاد الآلية التي تقضي على مَواطن كثافة العمالة، وهذا هدف استراتيجي، يجب أن يدخل في أولويات العمل الحكومي حتى نستوعب البطالة الآن، وفي السنوات القادمة. كذلك هذه الآلية تضمن تطبيق مواصفات البناء والسلامة في المباني. أيضًا توفِّر ميدانًا خصبًا لتوظيف السعوديين، ولبناء الخبرات الوطنية، ومجالاً ضروريًّا لتدريب الطلاب الجامعيين، وتوفر كذلك الخبرة والمعرفة للتشغيل والصيانة.
هذا الجهاز الحكومي المتخصص سوف يكون قادرًا على إنشاء شركات مساهمة وطنية كبرى للإنشاء والتعمير عبر الدعوة لدمج لشركات المقاولات القائمة؛ وهذا يساعد على توحيد جهودها، والاستفادة من تجربتها الفنية والإدارية في القطاع. كذلك سوف يطوِّر جهود الجمعيات العلمية، والمهنية، الهندسية والمعمارية، والمتخصصة في البيئة.