فوزية الجار الله
يحدث أحياناً أن تجد في نفسك رغبة ملحة في تأمل سلوكيات البشر، من باب القراءة والتفكّر وحسب، وأيضاً من باب حمد الله على نعمه فلم تعد تؤلمك الكثير من المواقف والكثير من سلوكيات البعض بعد أن بلغت حداً مناسباً من النضج..
يختلف الناس في طباعهم، لفتاتهم، تحركاتهم وسلوكياتهم تبعاً للبيئة التي نشأوا فيها فبعضهم لم يستطع تحسين سلوكه رغم الشهادات العلمية والمستوى الثقافي الذي حصل عليه، فعلى سبيل المثال، تجده يرى في اعتذاره عن خطأ واضح ارتكبه في حق أحدهم، يرى في هذا الاعتذار كسراً لهيبته وخضوعاً لا يناسبه..
يتحدث الروائي الشهير دوستوفيسكي ضمن كتابه (ذكريات من بيت الموتى) والذي يحوي تجربته في السجن فيقول: (وعلى الرغم من تمتعهم بقوة جسمانية كبيرة، ورغم وداعتهم، وحسن سريرتهم، فهم مرضى جميعاً بالخيلاء والغرور.. وهذا من أبرز ميزاتهم..)..
في بعض كتب التراث: سُئِلَ أحدهم: ما الكِبر؟
قال: حُمْقٌ لم يدْرِ صاحبهُ أين يَضَعه؟!
وإليكم أيضاً هذه الحكاية: (قال معاوية بن أبي سفيان: قَدِمَ عَلقَمَةُ بن وائل الحضرمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرني رسول الله أن انطلق به إلى منزل رجل من الأنصار أُنزله عليه، وكان منزله في أقصى المدينة، فانطلقت معه وهو على ناقة له وأنا أمشي في ساعة حارّةِ وليس علي حذاء، فقلت: احملني ياعمّ من هذا الحرّ فإنه ليس عليَّ حذاء، فقال: لست من أرداف الملوك، قلت: إني ابن أبي سفيان، فقال: قد سمعت رسول الله عليه السلام يذكر ذلك، قال، قلت: فَأَلْقِ إليَّ نعلك، قال: لا تقبلُها قدماك ولكن امشِ في ظلِّ ناقتي فكفاك بذلك شرفاً، وإن الظل لك لكثير، قال معاوية: فما مرّ بي مثل ذلك اليوم قطّ، ثم أدرك سلطاني، فلم أؤاخذهُ، بل أجلسته على سريري هذا..) يقصد معاوية بأنه حين أصبح خليفة وأقبل عليه هذا الرجل، لم يجدها فرصة سانحة للانتقام وردّ سلوكه السيء معه وإنما أكرمه وأجلسه مجلساً يليق بكرم معاوية وجمال روحه..
وأيضاً ضمن التراث يقول أحدهم واصفاً علو مكانته ومغرقاً في الإعجاب بنفسه:
(أتيه على جِنّ البلاد وإنسها
ولَو لم أجد خَلْقاَ لتهتُ على نَفسي
أتيهُ فما أدري مِنَ التيه مَنْ أنا
سوى ما يقولُ الناسُ فيّ وفي جنسي
فإِن زعموا أنّي مِنَ الإنسِ مثلهم
فما لي عَيبٌ غيرَ أني من الإنسِ)