فضل بن سعد البوعينين
ما زلت أذكر قصة الشيخ المعبرة التي أراد من خلالها إعادة صياغة فلسفة نمو المال بمعزل عن نظريات الاقتصاد، وحسابات الدخل والإنفاق والأرباح الصافية.
سَردَ علي -رحمه الله- قصة دخوله معترك التجارة قائلا؛ «كنت شابًا في مقتبل العمر، وكانت الفرص شحيحة، والأعمال شبه معدومة، فغامرت بشراء صفقة أغنام بالأجل. لم تكن صفقة موفقة من منظور التجار المتمرسين، وبخاصة المسؤول عن تداولات السوق (شيخ الدلالين)، الذي لامني كثيرًا على الشراء، وجزم بخسارتي الفادحة. إلا أن الله أكرمني ببيع ما اشتريته خلال أيام بربح وفير، واستفدت من الثمن العاجل في الشراء والبيع حتى حلول الأجل، وهكذا يكون لدي رأس مال مقبول أعانني على المضي قدمًا في تجارتي المحدودة. غير أنني تفاجأت؛ والكلام للشيخ -رحمه الله-؛ بعرض سخي من شيخ الدلالين لمشاركتي في صفقات تجارية تفوق قدرتي المالية، وخبرتي مقارنة بما يمتلكه من خبرات واسعة في السوق، إضافة إلى عمره الذي تجاوز عمري بأكثر من الضعف. فقلت له أنني لا أملك المال الكافي لمشاركتك؛ فأجاب بلا تردد (أريد بركتك لا مالك). فقد رأى فيه جانبًا مهمًا لتحقيق الربح؛ من خلال متابعته الدقيقة لصفقاته الخاسرة؛ وفق منظور التجار والعارفين بخفايا السوق؛ التي تتحول، بقدرة الله، إلى صفقات مربحة. أزعم أنني اطلعت على بعض تلك البركة التي خالطت تجارته من خلال عملي السابق في القطاع المصرفي؛ إن كان في تداولاته في القطاع العقاري أو سوق المال؛ والأكيد أنها لم تكن خاصة به، بل بعدد كثير من الناس؛ فضلاً من عند الله، والله ذو الفضل العظيم.
استحضرت قصة الشيخ الجليل -رحمه الله-، وأنا أراقب ما يحدث من هلع بسبب المتغيرات المالية والاقتصادية الحادة، وانعكاسها على القرارات المالية في القطاع الخاص، وغيره من القطاعات، ومحاولة الشركات رفع الأسعار لتعويض نقص التدفقات المالية، أو التضحية بموظفيها من أجل خفض النفقات الثابتة، وهو إجراء يمكن أن يبرره ذوو الاختصاص المالي والإداري بكل سهولة، مدعومًا بحسابات مالية لا تقبل الشك. التحوط المالي واتخاذ احترازات نوعية أمر غاية في الأهمية، ولكن يغيب عن الكثير جانب البركة غير المنظورة في حسابات الدخل. فلعل المحافظة على الأسعار كما كانت عليه من قبل، رحمة بالمستفيدين، والإبقاء على الموظفين لأسباب إنسانية، وتقربًا إلى الله، يقلب حسابات الشركة رأسًا على عقب، حتى في الظروف الحرجة، في الوقت الذي يمكن أن يؤثر فيه قرار رفع الأسعار وتسريح الموظفين سلبًا على مالية الشركة وربحيتها، بالرغم من الأثر المحاسبي المحسوس الذي تؤكده الأرقام، وأهل المال والإدارة.
فعلى سبيل المثال فزكاة المال يُنظر لها من الجانب المحاسبي على أنه خصم مُقلِص للمال، في الوقت الذي يؤمن فيه المسلم بأنها بركة معززة للنماء، يؤكد ذلك قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده).
وفق هذا الهدي يفترض أن ننظر إلى الأمور المالية، قبل التعلق بنظريات الدخل التقليدية ففي كتاب الله وسنة نبيه الكريم ما يعين على اتخاذ القرارات المالية المُحققة للبركة وإن تعارضت مع رأي الماليين ونصائحهم الدنيوية التي لا ترقى إلى استشعار البركة، ومعرفة أثرها المباشر على الدخل والثروات وكل ما يتصل بحياة الإِنسان.
قال تعالى: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»؛ وقال سبحانه «وَلَوْ أن أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأرض»، ومن الإيمان، الإقرار بـ «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ».