عبده الأسمري
يقف الإنسان بعد كل مرحلة عمرية متأملا ملامح الوجوه متصفحا تداعيات الذكريات متوسداً «واقعا» إجباريا ناكصاً إلى «ماض» اختياري.. ليبقى في دائرة من «التفكر» تتغشاه حينها «الحيرة» وتؤنسه «الخيرة» في محطات «قدرية» تمثل عناوين عمر.. وتفاصيل حياة.. النشأة والطفولة والدراسة ومحيط الأسرة وسلة «الذاكرة» وحلة «التفوق» وسقطات الفشل وومضات النجاح وتجارب المرارة ومشارب الشطارة وقعر «الأحزان» ومرافئ الأمان وويلات الصدمات ومساعي الفلاح ونتائج الذكر كلها «أدوات» تعتمر العقل وتغمر القلب فيبقى الإنسان ما بين «فكر» و»ذكر» في «شاشة» لا تتوقف إشاراتها إلا بالرحيل.
يأتينا «الموت» فيخطف الأحبة وينتزع «الراحة» فنرتمي في «غياهب» الفقد.. فتنزل علينا سكينة «السلوان» لتضمد «جراح» الأوجاع وترمم «صدوع» المواجع فنستهل ونبتهل حتى يرتب «القدر» مواعيده من جديد على بوابات «الدنيا» لنصدم بفاجعة جديدة قد تكون «الأقسى» و»الأدهى» في سجلات الآلام.
نتشرب «الفرح» فنظل بين قطبين من «العرفان» أو «النكران» ونبقى بين شعورين من «الشكر» أو «التنكر» فتطغى علينا «غفلة» الاعتزاز وتحل علينا «عجلة» العزة فنعود إلى «الجبلة» الأولى التي كان فيها الإنسان «عجولاً» وبقى بعدها أكثر شيء جدلاً..فتمضي الحياة والبشر فيها يلاحقون «الطمع» ويطاردون «الجشع» في السرور والابتهاج.. وكأن الدنيا على وتيرة واحدة متناسين أن «الحياة» جملة من البلاءات تأتي في رداء «البشرى» وتقدم في بلاء «الامتحان».
يبالغ الإنسان كثيراً في عزته بنفسه وهو لا يعلم أنه «ضعيف» فينسب «الفضل» لذاته كثيراً فيتشبع بغرور يصنع متاهات «الخذلان» ليكون فجأة أمام «اختبار» مفاجئ في مرض أو ضائقة أو مصيبة فيعود إلى سيرته الأولى التي كانت من العدم عليه حينها الاستعانة بالعقل والاستغاثة بالحقيقة التي تجعله مسيراً لا مخيراً ليعيد حساباته جيدا في التوكل على الله والاتكال على مشيئته ثم الأخذ بالأسباب التي تظل في مساحة «القدرة الإنسانية» التي تعتمد على سمات الشخص وعطاياه ومعطياته.
محطات عمر تنقضي من حياتنا.. ونحن فيها إما راقصون على «ماض» تليد أو «متوجسون» من «حاضر» وليد أو «حائرون» أمام مستقبل «جديد» لذا فإن الارتهان للمواقف والارتكان للوقفات والمضي في درب «الاعتبار» والنهل من معين «الاقتدار» أسس لصناعة النجاة و»أصول» لقيادة الحياة.
في الحياة «دروس» و»عبر» نجدها في كل محطة نمر بها.. علينا الانتظار والوقوف طويلا أمام «الفوائد» لنصنع الفائدة في مراحل قادمة والتوقف أطول بشأن «العواقب» لنتجاوز العقبات في سنين لاحقة.
يجب أن يعي الإنسان أن الحياة «محطات» وأن الأيام دول بين الناس وأن الضوء ينبثق من الظلام الحالك وأن الضياء يأتي بعد العتمة والغمة وأن يفهم أن الدافعية «مادة» خام لصناعة «الهمم» وأن الهزيمة مجرد «مصير» مؤقت تلغيه «العزيمة» التي تبقى «سلاحا» مستديما في مواجهة الأعباء وفي مجابهة البلاء..
الإنسان «مخلوق» يمتلك العقل كأهم «نعمة» يستطيع منها وضع خطته ورسم طريقه وتحويل الأزمات إلى «محطات» لصناعة «المهمات» الجديدة التي تنظف «النفس» من ويلات «التجارب» وتنقي «الروح» من شوائب «المتاعب»..
يحل الفشل والسقوط والإحباط كنتائج لمواقف معينة تبقى في «حيز» توقيت مرحلي فيما تظل «الدروب» مفتوحة لركض جديد وانطلاق سديد لتغيير «الوجه» المؤلم وتبديل «القناع» الأليم الذي غطى على ملامح «الارتياح» وطغى على مطامح «الفلاح».
محطات الحياة بين العمق والأفق سيرة إجبارية يكون فيها الإنسان بين اتجاهات الذات ومواجهات العيش في أصداء وأبعاد تتردد بين الماضي والحاضر والمستقبل وسط «غيبية» لا نملك أمامها سوى «الانتظار» المشفوع بالأثر أو التأثر.