د. محمد بن عبدالله آل عمرو
الثاني من يونيو 2018م، كان يوما فارقا في تاريخ الثقافة السعودية، ففيه صدر أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء وزارة الثقافة، كما صدر في نفس اليوم أمر ملكي آخر بتعيين سمو الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود وزيرا للثقافة.
كما نص الأمر المتعلق بإنشاء وزارة الثقافة بنقل المهام والمسؤوليات المتعلقة بنشاط الثقافة إليها، وكانت تلك المهام والمسؤوليات ضمن مهام ومسؤوليات وزارة الإعلام والثقافة، ووزارة التعليم، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (وزارة السياحة).
وفي الرابع من فبراير 2020م، صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء إحدى عشرة هيئة ثقافية تعنى بمختلف فروع الأنشطة الثقافية هي: الأدب والنشر والترجمة، والمتاحف، والتراث، والأفلام، والمكتبات، والفنون والعمارة والتصميم، والموسيقى، والمسرح والفنون الأدائية، والفنون البصرية، والأزياء، وأطلقت الوزارة برنامجا طموحا للابتعاث في هذه المجلات حتى تتمكن من تنفيذ برامجها على أسس علمية وخبرات عملية عالية التأهيل والتدريب.
ويأتي هذا الاهتمام الكبير بالثقافة من لدن خادم الحرمين وسمو ولي العهد والحكومة، منسجما مع ما جاء في المادة التاسعة والعشرين من نظام الحكم التي نصها: (ترعى الدولة العلوم، والآداب، والثقافة، وتعنى بتشجيع البحث العلمي، وتصون التراث الإسلامي، والعربي، وتسهم في الحضارة العربية، والإسلامية، والإنسانية).
وقد حددت وزارة الثقافة رؤيتها لمستقبل النشاط الثقافي بازدهار المملكة العربية السعودية بمختلف ألوان الثقافة، لتثري نمط حياة الفرد، وتسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وتشجع الحوار الثقافي مع العالم.
والثقافة باعتبارها «الصفات والسمات الشخصية، والأنماط السلوكية، التي اكتسبها الفرد، إما بالوراثة من مجتمعه، أو بالمخالطة من المجتمعات الأخرى» هي التي تميز الشعوب عن بعضها العض وتشكل الهوية الوطنية الحافزة على الاعتزاز والانتماء والموالاة، وهي التي تشكل طريقة التفكير، وحل المشكلات، والعادات والتقاليد، والمثل العليا، والقيم المجتمعية، وهي التي تشكل الأنماط الخاصة في كل ما يتعلق بالحياة اليومية للمجتمع، من المأكل والملبس واللهجة، وحتى الحركات الجسدية في المواقف المختلفة.
وتعد عقيدتنا الإسلامية وما نتج عنها من علوم ومعارف هي المصدر الرئيس للثقافة، إضافة إلى الحاجات المستجدة للمجتمع، وكذلك ما يكتسبه أفراد المجتمع بالمخالطة مما لا يتعارض مع ثوابت العقيدة من معارف المجتمعات الأخرى؛ فالفكر الإسلامي لا يدعم عزلة المجتمع المسلم عن غيره، بل إن من السنن الإلهية في المجتمعات ما جاء في القرآن الكريم من الحث على التعارف بين أمم الأرض، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات.
والتعارف بمفهومه الواسع يشمل كل منتجات المعرفة ومن هنا يتكون المشترك الثقافي الإنساني، ويبقى لكل مجتمع تميزه الثقافي الخاص به الذي يفترض أن يساند ذلك المشترك الإنساني ويقويه ولا يضعفه.
والتعارف بمفهومه الواسع يستهدف خير البشرية وتعاونها فيما يحقق لها الأمن بمختلف أنواعه، والاستقرار المؤدي إلى بناء الحضارة الإنسانية العالمية.
وإن من سمات الثقافة المنتجة للحضارة: المرونة، والحركة المستمرة نحو الابتكار، والإبداع، والتجديد، والتنقيح في المعارف والخبرات الموروثة، والمكتسبة، والانتقال بها إلى الفعل والممارسة دون توقف، ومن هنا يقاس التأثير الثقافي لأي أمة من الأمم، ومدى تأثيرها في مجتمعها، ومدى قدرتها على الانتشار والتأثير في الأمم الأخرى.
والمؤمل من هذه الوزارة الفتية، في ظل الدعم الحكومي الكبير، وبقيادة وزيرها الشاب الطموح الأمير بدر آل سعود، أن تشهد الساحة الثقافية في المملكة في المرحلة القادمة نقلة نوعية، وحراكا قويا غير مسبوق، يعمق غرس الهوية الوطنية، ويسهم في الناتج الاقتصادي، ويحقق أهداف رؤية المملكة 2030، مستفيدة من الموهوبين والموهوبات، والمبدعين والمبدعات، والقادرين على ممارسة الفعل الثقافي والقادرات، ومن التنوع الثقافي الكبير في عموم مناطق المملكة، مع الحرص على تنمية وتطوير وتشجيع الخصوصية الثقافية لكل منطقة.
خاتمة لأحمد شوقي:
وإذا عظم البلادَ بنُوها
أنزلتهم منازلَ الإجلالِ
توجت هامَهم كما توجُوها
بكريمٍ من الثناءِ وغالِ