أ.د.عثمان بن صالح العامر
كنا قبل زمن كورونا نقيس مشاعرنا المتبادلة بكثرة اللقاءات، وتبادل الزيارات، والعناق، وتقبيل بعضنا البعض بالمناسبات حين الفرح وعند الحزن، في المقبرة والقصر، وربما كان منا هذا السلوك المألوف والمتوارث بلا مناسبة ولا مبرر وعند أول لقاء ولو لم يفصل بين لقائنا السابق والجديد سوى ساعات. وكثيراً ما نصحنا المصلحون المبادرون للتغيير المجتمعي بالاكتفاء بالمصافحة خاصة حين يكون اجتماعنا مع بعضنا البعض متكرراً ودائماً، أو في العزاء والأعراس، حيث الأعداد الكثيرة، ولكن الإلف والعادة غطاء ثقيل على العقل، وحاجب قوي عن التفكير الصحيح!
جاءت كورونا وتولَّد خوف الإنسان على سلامته وصحته فصار التباعد الاجتماعي عنوان المرحلة ومعه عرفنا أن بالإمكان الاستغناء عن كل هذه الطقوس الاجتماعية التي لا أصل لها إلا في حالات معيَّنة حدَّدها الفقهاء وتكلَّم عنها أهل الاختصاص، أدركنا أنه لا يمكن أن تكون هذه الشكليات هي المعبِّر الحقيقي عمَّا يكنُّه الصديق أو الجار أو القريب أو الزميل أو غيرهم لنا بين حناياهم من مشاعر الحب والتبجيل والاحترام.
أعتقد أن لدينا اليوم فرصة سانحة لإعادة نظرنا في كثير من مسلَّماتنا الاجتماعية، مع أخذ واجب (التوعية والتثقيف المجتمعي) بالحسبان خاصة لكبار السن الذين عاشوا دهراً تحت هذا الغطاء المتحجِّر مع تعاقب كر الجديدين عبر السنين (الليل والنهار).
في المقبل لا بد أن نعود لقلوبنا نسبر أغوارها بعمق، نفتش في خباياها بصدق، نقرأ جنباتها بأمانة، نحاول أن نعالجها حتى نزيل عنها مهددات هذا المكوِّن المجتمعي المهم (المحبة) التي تجب في الإسلام - الذي ندين الله به - أن يحب الواحد منا لأخيه ما يحب لنفسه.. تصور إلى ها الدرجة من سلامة الصدر وسخيمة القلب نحو بعضنا البعض، أما أن تكون الشكليات هي العنوان، والقلوب للأسف الشديد حسد وحقد وضغينة، وفي الخلوات غيبة وكذب وتدليس فهذا معيار مضلِّل وسلوك مشين.
حين أعرض لهذا الموضوع هنا لأنه للأسف الشديد آفة استشرت لدى بعض شرائح مجتمعنا فوجب التنبيه، كما أن من الآفات التي حقها التعريج عليها الحكم على القلوب، والدخول في النيِّات، واتهام المقاصد، والقراءة لما يُقال ويُكتب قراءة رغائبية لا حقيقية، وتشويه السمعة، والسعي في النميمة، وعلى ذلك قس كثيراً من أمراض القلوب التي تختفي خلف شكليات محبة جوفاء تنتهي عند قبلة صفراء على الخد وعناق باهت، إذ من المعروف لدينا جميعاً أنه لا يعلم ما في القلوب إلا الله، وهي بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء.
بقي أن أشير في نهاية هذا المقال إلى أن ما ورد أعلاه لا يعني أنني أزكّي نفسي وأبرئها عن شيء من هذا السلوك المجتمعي المتعارف عليه والمتوارث، ولكن فيما كتبت تذكير لنفسي قبل غيري، فاللَّهم يا مقلِّب القلوب والأبصار ثبِّت قلوبنا على طاعتك وارزقنا محبتك ومحبة الخير والفلاح والسعادة في الدارين للآخرين، وإلى لقاء، والسلام،