إبراهيم بن سعد الماجد
كثير من مجالات الأعمال أغلقت أو تباطأت وتراجعت بسبب انتشار فايروس كورونا وتأثيره السلبي على النشاط البشري في جميع أنحاء العالم، إلا أن ذلك كان له على جانب آخر مزايا، بارتفاع أنشطة أخرى، وفتح مسارات وفرص عمل جديدة، فخلال أزمة تفشي فايروس كوفيد-19 حصل الكثير من الناس على فرص جديدة، أو زاد نشاط أعمال كانت أقل نشاطاً، مثل توصيل الأغذية والأدوية، وسائقي النقل المختلفة وعمال وفنيي التعقيم وغيرها.
وفي ظل الحاجة الملحة إلى مكافحة كوفيد-19والسيطرة عليه، ينشط هؤلاء الأشخاص بكل صمت في الخطوط الأمامية والمجمعات السكنية وفي الشوارع وغيرها من أنحاء المدن، وهم يخدمون الآخرين بكل أريحية ونشاط، كما أن من بينهم الكثير من الأصدقاء الأجانب الذين يستخدمون مهاراتهم، سواء كانوا في القطاع الصحي أو الخدمي، وقد شرف بلادنا هذه الكوكبة من الأطباء السعوديين في كثير من أنحاء العالم، الذين أبهروا العالم بإنسانيتهم منقطعة النظير.
وفي الداخل السعودي كان للفرق التطوعية أبلغ الأثر في تخفيف المعاناة، وقد كانوا بالآلاف من شباب وفتيات، أثبتوا أنهم على قدر المسؤولية، فكانوا الباذلين لوقتهم على الرغم من أن أشد الأزمة كانت في شهر رمضان، ومع ذلك رأينا منهم جهداً كبيراً، وتضحية بوقت ثمين، فلهم منا خالص الدعاء.
ومن جانب الشركات الكبيرة، فلا شك أن معظم الشركات في جميع أنحاء العالم قد تأثرت بالتغيّرات التي فرضها تفشي فيروس كورونا، واضطرار معظم الشركات لتبني سياسات العمل عن بُعد، باتت التكنولوجيا أفضل وسيلة لضمان استمرارية الأعمال، فقد أصبح هناك إقبال كبير من قبل كل من أصحاب العمل والموظفين على شبكة الإنترنت لأداء جميع مهامهم اليومية، إذ تحوّلت جميع أساليب العمل وبخاصة تلك المتعلقة بالتواصل والتوظيف بشكل كلي إلى شبكة الإنترنت.
كما زاد اعتماد خبراء التوظيف على شبكة الإنترنت للبحث عن المرشّحين ومقابلتهم وتقييمهم بدقة وفعالية دون أي اتصال جسدي معهم. وعلى سبيل المثال هناك زيادة في عدد الوظائف التي أُعلن عنها على موقع بيت.كوم في دولة الإمارات من 1009 وظيفة في شهر ديسمبر من العام 2019م إلى 1287 وظيفة في فبراير من العام 2020م. ويشير ذلك إلى تزايد عدد الشركات التي أصبحت تلجأ إلى شبكة الإنترنت والتكنولوجيا لتوظيف الكفاءات.
في ضوء ما سبق، من المتوقّع أن تشهد بعض قطاعات العمل في المنطقة ازدهاراً أكثر من غيرها خلال الأشهر القليلة المقبلة، من أبرزها: قطاع الإنترنت/التجارة الإلكترونية:
منذ بدء أزمة كورونا، لجأ الكثيرون إلى استخدام شبكة الإنترنت ليس فقط لغايات مهنية، بل لغايات شخصية أيضاً. فلم يُعتمد على الشبكة فقط لإنجاز مهام العمل اليومية والتواصل مع فريق العمل، بل تم اللجوء أيضاً إليها لشراء السلع الغذائية والبضائع الاستهلاكية عن بُعد، وذلك لتجنب الاختلاط مع الآخرين والحد من نشر الفيروس. وإذا ما تمت مقارنة شهري نوفمبر2019 وفبراير2020م، نجد أن عدد الوظائف التي أُعلن عنها في قطاع الإنترنت/التجارة الإلكترونية ارتفعت بنسبة 18 %.
قطاع تطوير البرمجيات:
مع تزايد لجوء معظم الأشخاص حول العالم للتقنيات والبرمجيات المختلفة للتواصل وأداء مهام العمل اليومية، فقد زاد الطلب على الخبراء في مجال تطوير وهندسة البرمجيات، حيث شهد الموقع زيادة بنسبة 13 % في عدد الوظائف المُعلنة في قطاع تطوير البرمجيات، عند مقارنة شهري نوفمبر 2019 وفبراير 2020م.
قطاع الخدمات اللوجستية/التوزيع:
أما بالنسبة لقطاع الخدمات اللوجستية/التوزيع، فقد شهد زيادة في عدد الوظائف المُعلنة فيه بنسبة 60 %. فمن المتوقع أن ينمو هذا القطاع بشكل كبير في ظل أزمة كورونا، مع تزايد الحاجة لخدمات نقل وتوزيع السلع والبضائع الضرورية.
كل هذه التغيّرات التي أحدثها هذا الوباء، لا أعتقد أنها ستنتهي مع إعلان نهايتها، بل إن الكثير من الإجراءات التي اتخذت خلال هذه الفترة ربما تستمر نظراً لجدواها الاقتصادية، التي اكتشفت - جبراً- لا اختياراً، ولكنها أثبتت أهميتها.
وإلى الدرس الثالث - بإذن لله.