عمر إبراهيم الرشيد
في عام 1976 كتب أليكس هالي رواية (الجذور) والتي حازت انتشاراً واسعاً ليس في أمريكا وحدها وإنما في العالم كله، بعد أن حولت إلى مسلسل تلفزيوني تم عرضه في تلفزيونات العديد من الدول ومنها المملكة، وأذكر حين كان يعرض في فترة المساء والسهرة عام 1978 وكنت حينها في المرحلة الابتدائية، في التلفزيون السعودي وعلى قناته الوحيدة حينذاك. يحدثني رجل أعمال كان مبتعثاً حينها للدراسة في الولايات المتحدة، أنه عند عرض المسلسل كانت شوارع الولاية التي كان يقيم فيها تخلو تقريباً من الناس، ولا عجب إذ إن الرواية أتت لتروي تعطش الأمريكيين سواء أحفاد (كونتا كونتي) بطل الرواية الحقيقي المسلم الذي اختطف من غامبيا في القرن السابع عشر، أو الأمريكيين البيض الذين هم مهاجرون أصلاً من ايرلندا وأوروبا وخليط من شتى بقاع العالم، تروي تعطشهم لمعرفة قصة تجارة الرقيق من البداية. كان الهدف من جلب الأفارقة إلى العالم الجديد كما سميت أمريكا حينها، للعمل في مزارع الذرة والقمح والتفاح والتبغ وغيرها من المحاصيل، بنظام السخرة وكعبيد لا يحق لهم العيش بكرامة وحرية وتعليم. ومعروف أن معاناة العبودية لم ينهها إلا الرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن بقراره الرئاسي التاريخي والشجاع في الأول من يناير عام 1863 بإلغاء قانون الرق واعتباره غير إنساني ولا أخلاقي، لتثور الولايات الجنوبية احتجاجاً على هذا القرار لأنه ضد مصالحهم وأطماعهم باعتبار أن الرقيق هم من يعملون في مزارعهم، وتنشب بعدها الحرب الأهلية الأمريكية بين الولايات الاتحادية الشمالية وولايات الجنوب الانفصالية ولمدة أربع سنوات انتهت بانتصار الاتحاد وهزيمة الجنوبيين. إنما لا يخفى أن هذا القانون لم يثمر على أرض الواقع تطبيقاً حقيقياً، فاستمرت النزعة العنصرية حتى ستينات القرن العشرين، أي بعد قرار لنكولن بمئة سنة أو تزيد إذ كان الفصل العنصري في التعليم والمواصلات وحتى في الكنائس قائماً. ثم انبثقت حركة الحقوق المدنية برمزها مارتن لوثر الذي اغتيل بدوره وهو في عنفوان تأثيره، ثم مالكوم اكس الذي اعتنق الإسلام واغتالته جماعة اليجا محمد بعد أن دعا إلى نبذ العنصرية المضادة وسلوك الطرق المدنية السلمية. كل هذه الدورات المتعاقبة صعوداً وهبوطاً، مداً وجزراً ما بين الأمريكيين من أصول أفريقية ونظرائهم البيض ما زالت تمور، برغم انتصار أحفاد كونتا كونتي وباقي الأمريكيين الأفارقة بوصول أول أبنئهم باراك حسين أوباما إلى البيت الأبيض عام 2008، أي بعد قرار لنكولن بمئة وخمسين عاماً!، فهل انتهت معاناتهم؟
(لا أستطيع التنفس وكل شيء في جسمي يؤلمني.. أرجوك) هذه الجملة التي كان جورج لويد آخر ضحايا اعتداءات أفراد من الشرطة الأمريكية على أمريكيين أفارقة، يرددها وهو يختنق قبل أيام في ولاية منسوتا والشرطي الأبيض واضع ركبته على رقبة جورج فلفظ على أثرها آخر أنفاسه، كما قالها كونتا كونتي وهو في قبو الباخرة مقيداً بالسلاسل بعد اختطافه من غامبيا وشحنه إلى العالم الجديد قبل أكثر من 450 عاماً. ولا تهدأ صيحات الجمهور الأمريكي ومظاهراته الاحتجاجية حتى تنشب مرة أخرى في ولاية أو مدينة أمريكية أخرى. والسؤال الذي لا يتم طرحه كثيراً في الإعلام الأمريكي هو: هل فصل أفراد الشرطة الذين تسببوا بوفاة جورج لويد عادل كفيل بتهدئة الأمريكيين من أصول أفريقية؟، مع حوادث مماثلة جرت ولا تزال تجري على امتداد التاريخ الأمريكي؟ وهل تكرار هذه الحوادث وتتابعها على امتداد قرون من الزمن، لن تؤدي لانفجار بركان اجتماعي وتكرار الحرب الأهلية الأمريكية مرة أخرى، هي تساؤلات تدور في خاطر التاريخ ...!، طابت أيامكم.