اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
ظهرت مؤخرًا ممارسات صبيانية مقيتة، غزت وسائل التواصل الاجتماعي حتى أزكمت ريحتها المنتنة الأنوف؛ إذ نجد أحدًا من هذه الدولة (العربية) - للأسف الشديد - أو تلك يسب شعب دولة ما، واصفًا إياهم بأقذع الألفاظ، وموغلاً في نهش أعراضهم، والتعريض بهم، والسخرية منهم، مع أنه أول من يعلم يقينًا قبل غيره أن هذا الإسفاف كله والسقوط الأخلاقي السحيق في حق أولئك ليس صحيحًا؛ فلا أحد مهما كان ساذجًا يصدق اليوم أن صفة ما تنطبق على هذا الشعب أو ذاك بأكمله؛ إذ يوجد في شعوب الدنيا كلها الطيب والخبيث، بل أستطيع القول يقينًا إن الطيبين هم الكثرة الغالبة بين الشعوب كلهم، أما الخبيثون فهم فئة محدودة، لا تشكّل ظاهرة لدرجة يستحق الشعب الذي تنتمي إليه كل هذا العبث والغثاء والهراء الفارغ.
تلك حقيقة اجتماعية راسخة حتى في أذهان عامة الناس؛ لا تحتاج إلى برهان أو دليل، ولا يمكن لجاهل متنطع أيًّا كان من هنا أو هناك أن يقنع العالم بوجهة نظره الدنيئة التي يوزعها بمزاجه كيفما اتفق على هذا الشعب أو ذاك لحاجة في نفسه الأمّارة بالسوء.
وفي المقابل ينبري كثيرون للهجوم المضاد؛ فيبدعون في ابتكار الصفات الذميمة والأوصاف القبيحة؛ فيصمون بها الشعب كله الذي ينتمي إليه المسيء، بل يوغلون بعيدًا في اتهامات مغرضة، لا تستثني أحدًا، متجاوزين حدود الأدب وشخص المسيء للنيل من القيادات بهدف غرس الأحقاد، وإثارة الحفيظة، وإيغار الصدور، وإشعال فتيل الفتنة، حاديهم في ذلك (قناة الفتنة القطرية) التي ألهمتهم كل ذلك السقوط الأخلاقي.
وقطعًا، لا أقول إن أولئك المتنطعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أصحاب تلك البضاعة الكاسدة، المتورطين في تلك الممارسات القبيحة، متناسون، بل أقولها بملء الفيه: جاهلون، وليسوا متجاهلين. إن مثل تلك الممارسات العنصرية الذميمة هي التي أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) التي راح ضحيتها (17) مليون قتيل، و(20) مليون جريح. بل أكثر من هذا: أفضت مثل تلك النظرة الاستعلائية إلى الحرب العالمية الثانية أيضًا (1939 - 1945) التي تعد أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية حتى اليوم؛ فكانت خسائرها أضعاف خسائر الحرب العالمية الأولى في كل شيء.
وعلى كل حال، للأسف الشديد، أقولها بمرارة وأنا صادق: يغرق بعض شباب الأمة العربية في مثل هذه الممارسات القبيحة التي تنم عن جهل مطبق، وإفلاس شديد، فيما ينهمك أعداء الأمة في استغلال العلم لتحوير فيروس مثل كورونا هذا لإيذاء العالم، بل أكثر من هذا وأشد سوءًا: يورثون هذا السقوط الأخلاقي حتى للأطفال، كطفل فلسطين (بلال محمد عبد العال) الذي أصبح ظاهرة متخصصًا في النهش في جسد السعوديين، مع أن السعودية هي أكبر داعم لشعبه، وأكبر مناصر لقضيته التي دفع أطفال السعودية مصروفهم المدرسي لدعمها، وتبرعت الصغيرات بحليهن أسوة بأمهاتهن اللائي كن يتنافسن عبر التاريخ في مد يد العون لفلسطين وشعبها بسخاء منقطع النظير، لا يعرفه غير السعوديين.. بل أكثر من هذا: روى المقاتلون السعوديون ثرى فلسطين الطاهر بدمائهم الزكية دفاعًا عنها، ونصرة لقضيتها العادلة؛ وعليه أتمنى أن يكون في القوم رجل رشيد، يأخذ على يد هذا الشاب الصغير الذي يرفض وصفه بـ(الطفل)، ومع هذا يأتي من الأعمال ما لا نحمدها له.
فهلا أدركتم يا رعاكم الله بعد كل هذا الذم والسب والشتم والتجريح، وتوزيع صكوك الغفران، خطورة ما تقدمون عليه من أعمال ممجوجة، لا تقدم قيد أنملة، بل توغر الصدور؛ فتؤخر أكثر وأكثر؟ فإن كنتم عباقرة حقًّا كما تزعمون فادخلوا مراكز الأبحاث لتأتوننا بما عجز عنه الأوائل من إنجازات تساعد البشرية في التغلب على جائحة مثل كورونا هذه التي بزت المتنبي في ملئه الدنيا وإشغاله الناس.
وختامًا، لا يسعني إلا أن أوصي الفريقين، المتنطعين الذين يبادرون بالإساءة، والآخرين الذين يتفننون في الرد، بلسان الإمام الشافعي؛ إذ يقول:
لسانُك لا تذكر به عورةَ امرئ
فكلُّك عوراتٌ وللناسِ ألسنُ
وعيناك إنْ أبدت إليك معايبًا
فدعها، وقُلْ يا عينُ للناس أعينُ
وعاشِرْ بمعروفٍ وسامحْ مَن اعتدى
ودافعْ، ولكن بالتي هي أحسنُ
كما أذكِّر أولئك بحديث سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-، الذي بعثه الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين؛ إذ يقول: «إنَّ شرَّ الناس منزلة يوم القيامة مَن يخاف الناس مِن شره».
وختامه مسك؛ فأذكِّر هؤلاء وأولئك بقول الحق -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.