صيغة الشمري
منذ الأزل والحديث حول فاعلية الجمعيات الخيرية بالسعودية يتكرر بالملاحظات نفسها، والمآخذ نفسها، والأخطاء نفسها. لم يكن مستغربًا الخبر الذي تم نشره قبل أيام عدة حول شبهات فساد تطول إحدى الجمعيات الخيرية الشهيرة - مع ضرورة التأكد من صحة ما قيل عنها - لكن هذا لا يعني - حتى لو صح ما نُشر - أن التقصير يشمل جميع الجمعيات. الحقيقة إن جمعياتنا الخيرية لم تكن بحجم المأمول منها، الذي يوازي حجم الدعم الذي تجده، الذي لا تجده أي جمعيات أخرى في العالم. قلة من الذين يهمهم أمر هذه الجمعيات، ويعملون بها، يهمهم أمر العاملين عليها أكثر من أمر المحتاجين والمعوزين الذين هم في أمسّ الحاجة للمساعدة. ثقافة العمل الخيري لدينا تحتاج لمراجعة من جديد، وإعادة تأهيل حقيقية. ثقافة خيرية، هدفها الحقيقي وجه الله تعالى، ثم مساعدة المجتمع السعودي الذي ميّزه الله دون غيره بأنه شعب طيب، ومُحب للعمل الخيري ومساعدة الآخرين، لكنهم يفتقدون الجهات التي يثقون بأنها تمنح صدقاتهم وتبرعاتهم لمستحقيها. حجم المبالغ الخيرية التي يقدمها الشعب السعودي للجمعيات الخيرية - غير التبرعات العينية - رقم كبير جدًّا، يكاد يكون هو الأكبر بين جميع شعوب العالم، لكنه لا يجد عملاً منظمًا حقيقيًّا، يهدف لاجتثاث الفقر من بلادنا، وتحقيق المعجزة التي لم يحققها بلد قبلنا. على أرض الواقع، وبالأرقام، نحن قادرون على فعل ذلك، لكننا نحتاج إلى مَن يهدف لتحقيق ذلك. نقص ثقافة العمل الخيري أخطر من الفساد على فقرائنا، ولكن الأمل يحدونا مع رؤية 2030 التي جعلت من العمل الخيري والمبادرات أولية قصوى؛ حيث لم تستثنِ أي جهة من تقديم مبادرة لنفع المجتمع. الجمعيات الخيرية تفتقد توحيد طريقة العمل، وانعدام قياس الأداء والإنتاجية. الهدر المالي الذي يقدَّم لإفطار صائم، وفي الغالب يذهب للعمالة التي لا يوجد بها عربي واحد، وتأتي للمساجد لتوفير وجبة إفطار بينما هناك الآلاف من العوائل السعودية المتعففة التي ربما لا تجد ما يسد رمقها على وجبة الإفطار، وغيرها من الوافدين العرب الذين يمنعهم تعففهم من مزاحمة العمالة وقت الإفطار، أرقام خيالية من المال تذهب في هذه الوجبات دون تنظيم، ودون نتائج ذات جدوى. لا بد من حث الجميع على دعم العمل الخيري، وبخاصة في الأحياء التي يجب وضع العُمد فيها على أساس معرفتهم التامة بمتعففي الحي، والتنسيق يكون كاملاً بين عُمد الأحياء والجمعياتالخيرية للوصول إلى حصر العوائل المتعففة بشكل شبه كامل؛ لأن - حسب خبرتي البسيطة - أقل المستفيدين من جمعياتنا الخيرية هم عوائلنا المتعففة!