د. محمد عبدالله الخازم
لا شك بأننا نتعلَّم من الأزمات كثيراً ونضطر إلى اتخاذ خطوات جريئة وسريعة وحاسمة، حيث الظرف يستوجب ذلك. هذا أمر معلوم، لكن دائماً يخشى المخطط سلوكيات ما بعد الأزمة ومن ذلك على سبيل المثال:
1- استمرار السلوكيات الإدارية، وهنا يتم الاستمرار في التعامل والتصرف وكأننا في أزمة دائمة. مثال، في الأزمة يتخذ القرار الفردي أو السريع للمنظمة دون فحص كامل ونقاش مستفيض لدى صنَّاع القرار والمهتمين، لأنه لا الوقت ولا المكان ولا طبيعة الأزمة تسمح بذلك. لكن خارج وقت الأزمة، يجب دراسة القرار بعناية أوسع وجهد أكبر في فهم كامل أبعاده.
2- التبعات الاقتصادية. في وقت الأزمة تتغير آليات الصرف والترسية للمشاريع العاجلة ونوعية الصرف وغير ذلك، فصانع القرار يجد نفسه يمنح صلاحيات واسعة للتنفيذيين، حيث الوقت ضيق لمزيد من المراجعات. على سبيل المثال، في الأزمات لا يتاح لك العمل وفق قواعد المناقصات التقليدية وإنما إقرار مشاريع بشكل مباشر دون المرور بالآليات التقليدية. في خارج وقت الأزمة يجب الالتزام بشكل أكبر بتفاصيل العمل البيروقراطي.
3- ترتيب الأولويات. في الأزمة كان الهم الأكبر والأولوية في محاربة الفيروس وإنقاذ حياة الناس. في غير وقت الأزمة تتغير الأوليات وفق خطط ودراسات واعتمادات منظمة.
4- فحص المخرجات، السلبيات والإيجابيات. في الأزمات النظرة تكون أكبر نحو الجانب المنجز ولو كان بنسب غير مكتملة. في خارج الأزمات، بالتأكيد يصبح مطلباً فحص الخطوات والإيجابيات ونقل النتائج ومحاسبة القصور ... إلخ.
الفكرة هنا، يجب أن لا نتخذ سلوك الأزمة سلوكاً دائماً وأن ندرك الفرق بين التعلّم من الأزمة في إعادة رسم الأولويات ورسم الخطط وإصلاح العطوبات الحاصلة في أدواتنا التنفيذية ومخرجاتنا واستعداداتنا وبين سلوكيات العمل ومهنيته ونظاميته. في حالة الوباء فرض علينا التعليم عن بعد، لكنه ليس الوسيلة الأمثل، نتعلم من تجهيزاتنا في هذا المجال ولماذا حصل بعض القصور، لكن لا نتجاوز كل نظريات التعلّم والتعليم بحجة أننا نجحنا وقت الأزمة. قد نعتبره مكملاً أو موازياً ولكن ليس بديلاً. في الأزمة كان لدينا نقص في أسرّة العناية المركزة لكن لا يعني إقفال أقسام المستشفيات لتكون جميعها عناية مركزة...
ما هي أولويات الاقتصاد بعد الأزمة؟
بالتأكيد، تحسين الاقتصاد على المديين المتوسط والبعيد هو الأولوية ولا نستعجل النتائج. أرى بأن التركيز على مشاريع البنى التحتية؛ السكك الحديد، المستشفيات، الجامعات، المدارس، الطرقات، الحدائق، الملاعب وغيرها من البنى التحتية في كل مدينة وكل محافظة وكل منطقة، هو ما نحتاجه. بل إنني - وفق خلفيتي الاقتصادية المتواضعة- أراه مقبولاً الاستدانة لهذا الغرض، فالعائد سيأتي في المستقبل. الشركات العالمية تعاني تدهور الأعمال وهي فرصة لاستقطابها ونقل كلفة المشاريع للقطاع الخاص أو صندوق الاستثمار مقابل استثمارات متوسطة وطويلة الأمد. على مدى عقود، اقتصادنا قام ويقوم على مشاريع البنى التحتية بالدرجة الأولى وهي المحرك الأول للاقتصاد السعودي المحلي، لذا أراها الأولوية التي ستساعدنا لاحقاً لمزيد من الاستثمار الصناعي والتقني والترفيهي والسياحي، وغيرها. الصناعة المنتجة تحتاج بنى تحتية تقوم عليها، وبلدنا قارة لا يزال هناك الكثير يمكن القيام به لعمارته وتنميته.