إبراهيم بن سعد الماجد
سأكتب -بإذن الله- سلسلة من المقالات تحت عنوان هذه المقالة، بتسلسل متصل، مشاركة فيما تعلمناه، وعلمناه، من هذه الجائحة، وما استفدنا من مواقف فردية ودولية، أجزم أنها غيرت نظرة الكثير تجاه بعض المسلّمات، وبعض القناعات التي ثبت زيفها.
وفي المقابل الفخر الكبير ببلادنا وقادتها ومسؤوليها، الذين أبهروا العالم. أما نحن فلا جديد؛ فثقتنا راسخة بقيادتنا على مر التاريخ.
كانت لحظة عصيبة لجميع البشر حين استشرى خبر جائحة كورونا حول العالم، وارتفع الخوف من فيروس لا يكبحه علاج أو لقاح، وأخذ يحصد مزيدًا من الأرواح من أقصى شرق العالم إلى غربه، لا يفرق بين دولة غنية أو فقيرة أو فقراء ومساكين، فقد تساوى الجميع في مواجهته.
بلغ الأمر ذروته بإعلان منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020م أن تفشي مرض «كوفيد-19» الناتج عن فيروس «كورونا» المستجد الذي ظهر للمرة الأولى في ديسمبر 2019م في مدينة ووهان الصينية قد بلغ مستوى الجائحة، أو الوباء العالمي. ودعت المنظمة الحكومات إلى اتخاذ خطوات عاجلة وأكثر صرامة لوقف انتشار الفيروس، معللة ذلك بمخاوف بشأن «المستويات المقلقة للانتشار وشدته»؛ وهو ما استدعى حالة طوارئ عالمية، تحتم على الجميع أن يتلقى الرعاية الطبية أيًّا كان موقعه لحظة الإعلان، وتلزم الدول باتخاذ تدابير لمنع تهديد الصحة العامة، وتقديم الرعاية الطبية لمن يحتاج إليها.
وكان واضحًا أن وباء كوفيد-19 يرقى إلى مستوى تهديد للصحة العامة، ويمكن أن يبرر فرض قيود على بعض الحقوق، كفرض الحجر الصحي أو العزل الذي يحد من حرية التنقل.
ببساطة، يعتبر كوفيد-19 مرضًا معديًا، يسببه فيروس كورونا المستجد (فيروس كورونا) الذي اكتُشف أول مرة في ديسمبر 2019م، وهو من عائلة فيروسية، تُسبب التهابات تنفسية. حتى الآن لا يوجد لقاح للوقاية منه، وليس هناك دواء لعلاج المرض الناتج عنه، باستثناء التعامل مع أعراضه.
بحلول منتصف مارس 2020م أعلنت أكثر من 150 دولة أنها سجلت حالات إصابة بفيروس كورونا. ويشير البعض إلى أن الحكومة الصينية ربما لعبت دورًا في هذا التفشي بحجبها معلومات أساسية عن هذا الفيروس، وقللت من الإبلاغ عن وجود الإصابات وشدتها، وتجاهلت احتمال انتقاله بين البشر. كما أنها احتجزت أيضًا أشخاصًا بسبب نشر تقارير عن الوباء على وسائل التواصل الاجتماعي ومستخدمي الإنترنت بسبب «ترويج الإشاعات»، وفرضت رقابة على النقاشات المتعلقة بالوباء على الإنترنت، وكبحت تغطية وسائل الإعلام. في مطلع يناير استُدعي لي وينليانغ، وهو طبيب في مستشفى في ووهان، وكان يعالج المصابين، من قِبل الشرطة بتهمة «ترويج الإشاعات» بعد أن حذر من الفيروس الجديد في غرفة دردشة على الإنترنت. وقد توفي هذا الطبيب في مطلع فبراير بسبب الفيروس.
ورغم أن منظمة الصحة العالمية قالت في تقديرها لوضع تفشي فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) إن هذا الوباء «يمتلك خصائص الوباء العالمي»، وفي الوقت الذي تبذل فيه المزيد من الدول جهودًا مضنية في الخط الأمامي لمحاربة الوباء، إلا أن تجربة الصين وسجلها أصبحا أكثر إثارة للاهتمام العالمي.
وعادت منظمة الصحة العالمية للإشادة بالصين؛ إذ أشار المدير العام للمنظمة تيدروس ادهانوم إلى أن تجربة الصين تخبر العالم بأنه من الممكن الحد من انتشار الوباء، ويمكن لأي دولة السيطرة على الوباء طالما كان لديها التزام قوي من الحكومة، وتعاون كبير من الشعب. بعد جهود مضنية وشاقة شهد وضع الوقاية والتحكم في الوباء بهوبي ووهان منعرجًا إيجابيًّا، وتم تحقيق نتائج مهمة على مراحل. كما تم تحقيق هدف استقرار الوضع، وعكس اتجاه الأحداث.
وفي 10 مارس 2020م، وأثناء المرحلة الحاسمة في مكافحة فيروس كورونا، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ زيارة إلى ووهان بمقاطعة هوبي لتفقد أعمال الوقاية والسيطرة على الوباء. ولا شك في أن النتائج التي حققتها الصين في مكافحة الوباء قد ضخت الثقة في الكفاح العالمي ضد الوباء.
تمكنت الصين من إيجاد فرصة نادرة للعالم للوقاية والتحكم في الوباء. وأكدت منظمة الصحة العالمية أن تدابير الوقاية والسيطرة على نطاق واسع في ووهان وهوبي هي التي منحت الوقت لمقاطعات أخرى في الصين، وأعطت المزيد من الوقت لبقية دول العالم للتحرك؛ وهذا يعود إلى إجراءات الوقاية والسيطرة على نطاق واسع التي اتخذتها الصين، ومثلت بارقة أمل لدول العالم في الوقاية والسيطرة على الوباء.
قدمت الصين دروسًا مهمة للعالم، من الكشف المجاني عن الفيروسات، والتحسين المستمر لكفاءة الكشف، إلى فصل الأمراض الحادة والشديدة، ومن تقديم الاستشارات عبر الإنترنت إلى بناء مستشفيات متخصصة، ومستشفيات مؤقتة، وتعبئة القوى الحية داخل المجتمع، واستكشاف الممارسات الثمينة في الفحص واسع النطاق لمكافحة الوباء.
وكما قال الرئيس الصربي فوتشيتش فإن الصين قد حققت أداء جيدًا في مكافحة الوباء، وهي الدولة الأكثر تأهيلاً لتقاسم خبرتها مع دول العالم. وقد أرسلت الصين فرقًا من الخبراء الطبيين إلى إيران والعراق وإيطاليا لمشاركة الخبرات الصينية في مجال الوقاية والسيطرة والتشخيص والعلاج.
وللحقيقة، لا أحد يعرف من أين أتى فيروس كورونا (كوفيد-19)، وشاعت كثير من نظريات المؤامرة حول ذلك: هل هو من مختبر أبحاث فيروسية في ووهان أم من خفاش؟ ولا أحد يعرف كيف يوقفه: هل بالحجر الصحي أم بالفحص أم بالكلوروكين؟ ولا أحد يعرف كذلك متى سينتهي، إلا أن شيئًا واحدًا يبدو مؤكدًا، ويتفق عليه الجميع، هو أن لا شيء سيكون كما كان من قبل.
الكاتبة ماري هيلين مياوتون بصحيفة لوتان السويسرية قالت في مقال لها إن نهاية هذا الفيروس الذي انطلق من آسيا وانتقل إلى الشرق الأوسط، ثم إلى أوروبا فالولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، لم تلح بعد في الأفق، وإن كان كثيرون يرون أن تلك النهاية ستكون علامة فارقة قد تقلب الأمور رأسًا على عقب.
وتقول الكاتبة إن دعاة حماية البيئة مثلاً مستبشرون، وكأن حرية التحرك والسفر الجنونية التي كانت سائدة انتهت بشكل قاطع. ويتنبأ المناهضون للرأسمالية بأن هذا النظام البغيض قد ولى إلى غير رجعة، في حين يرى الحمائيون أن الحدود سوف تستعاد بشكل دائم، ويعتقد محبو أوروبا أن الاتحاد سوف يخرج معززًا من هذه الأزمة، في حين يرى مناهضوه أنه سينفجر.
واعتبرت الكاتبة أن هذا خطأ وقاتل، وبدلاً من التنبؤ بأن الآمال ستتحقق من تلقاء نفسها قد يكون من الأفضل الاستعداد لتصحيح واقع يبدو صعبًا على المديين القصير والمتوسط؛ لأن من الممكن، بل من الراجح، أن العودة إلى الوضع الطبيعي ستصاحبها بعض التعديلات، ولكنها ليست تغييرات عميقة.
ومما لا شك فيه أن الشركات ستسعى إلى ضمان توفير إمداداتها بشكل أفضل، وأن الأنظمة الصحية ستعيد تنظيم نفسها بشكل مفيد، كما أن من المؤكد أن الدول ستفكر في تأمين استقلالها فيما يتعلق بالمنتجات الاستراتيجية، ولكن هذا كله لا يعني تغييرًا في النموذج الاقتصادي أو الاجتماعي.
وعلاوة على ذلك، نبهت الكاتبة إلى أن العالم لم يتغير على الإطلاق بعد الأوبئة الكبيرة السابقة، بل إن الجميع عالجوا جراحهم، وانتهى الأمر بامتصاص الصدمة، واستمر كل شيء كما كان في السابق.
وكدليل على ذلك، ساقت الكاتبة مثال أزمة عام 2008م التي هزت العالم بعواقبها المالية والاجتماعية، مشيرة إلى أن كل شيء عاد إلى طبيعته المعتادة، وإن كانت البنوك تمت رسملتها بشكل أفضل مما كانت عليه في السابق، وأصبحت حذرة، وتعرف كل شيء عن عملائها، ولكن النظام المالي العالمي في الواقع لم يتغير جذريًّا، بل صار أكثر تركيزًا، وأكثر أمانًا. ولا شك أننا اعتدنا عليه.
وفي هذا السياق تلاحظ الكاتبة أن الدول فرضت على البنوك الكبرى اختبارات الضغط لتقييم قدرتها على استيعاب صدمة كبيرة، ولكنها لسوء الحظ لم يخطر ببالها أن تخضع نفسها للاختبار نفسه؛ لأنها لو فعلت ذلك لما كانت الأمور على ما هي عليه اليوم.
وقد كان حريًّا بالمستشفيات العامة أن تخضع لمعرفة مدى استعدادها لمواجهة وباء مثل الذي نشهده، ولكن من الأسهل دائمًا أن تفرض على الآخرين ما لا ترغب في أن تطبقه على نفسك، بحسب الكاتبة.
وتختم الكاتبة بأن الأمور مثلاً في سويسرا ليست بذاك السوء حتى الآن، ولكن بعض جيرانها لديهم صعوبات، ومواردهم المالية العامة تحتاج إلى إعادة رسملة؛ لأن الدول تعد باستمرار بتقديم المليارات لدعم الاقتصاد ولكنها في الوقت نفسه غارقة في الديون.
وخلصت الكاتبة إلى أن سويسرا على الأقل لديها ميزة، وهي أن المليارات التي تعهدت بها موجودة لديها؛ وهو ما يسمح لها بأن تقوم بعمل أفضل بعد الأزمة.
وإلى الدرس الثاني بإذن الله.