د. أحمد الفراج
أوكِّد دوماً على أنه لا يوجد إعلام محايد، حتى في أعتى الديمقراطيات الغربية، وهذا لا يعني الانتقاص من الإعلام الغربي، الذي كان يوماً منارة للحريات، استطاع أن يسقط واحداً من أفضل رؤساء أمريكا، ريتشارد نيكسون، في تحقيقات استقصائية تاريخية، وقد وصل الأمر درجة أننا كنا نعيِّر إعلامنا العربي بذلك الإعلام الغربي، الذي انقرض إلى حد كبير منذ سنوات، وحل محله إعلام الانحياز، الذي يسير وفق الأجندة السياسية لصانع القرار، بعد أن كان الساسة الغربيون يرتجفون رعبًا من سطوته، وأحيلكم بهذا الخصوص إلى زفّة الإعلام الأمريكي لإدارة بوش الابن، أثناء تحضيرها للحرب على العراق، في عام 2003، وهي الحرب التي خاضتها إدارة بوش دون موافقة مجلس الأمن، وبتقارير ثبت زيفها عن الكعكة الصفراء، ووجود أسلحة دمار شامل في العراق، وكان من نتائج تلك الحرب أن خسر العالم واحدًا من أمهر الإعلاميين الغربيين، وأعني هنا دون روذرز، قارئ نشرات قناة سي بي سي الشهيرة، الذي أُجبر على الاستقالة، بسبب تقرير لم يرق لإدارة بوش - تشيني!
اليوم، وصل الأمر درجة أن الإعلام الأمريكي أصبح يمثِّل معسكرات الساسة، فقناة فوكس نيوز، ومعها بعض المؤسسات المحافظة تمثِّل المعسكر المحافظ، أي معسكر الجمهوريين وزعيمهم الرئيس دونالد ترمب، أما قنوات سي إن إن، وإم إس أن بي سي، والنيويورك تايمز والواشنطن بوست فهي تمثِّل معسكر الديمقراطيين واليسار عموماً، الذي كان يتزعمه الرئيس السابق، باراك أوباما، واليوم يتزعمه السيناتور، برني ساندرز، وبينهما ضاع المشاهد وضاعت الحقيقة بين ثنايا هذا الإعلام المنحاز، الذي يقدِّم الولاء الأيدولوجي والحزبي على حساب الحقيقة، ونتابع حالياً تقارير وتعليقات تشبه، في كثير من الوجوه، إعلام ما يطلق عليه العالم الثالث، والمؤسف هو أن نظام ملالي طهران، ونظام الحمدين في قطر استغلا هذا الانحدار في مستوى الإعلام الغربي، واستخدما لوبيات الضغط والمصالح، لتجنيد إعلاميين غربيين، فأصبحت بعض تقارير هؤلاء الصحفيين عبارة عن نشرات تُكتب في مكاتب الاستخبارات، ولا يتورَّع صحفي، كان يومًا صحفيًا مرموقًا، مثل ديفيد هاريست أو بين هابارد عن نشر هذه التقارير الاستخباراتية بأسمائهم، كتقارير موثوقة، خصوصًا أثناء الأزمات، والخلاصة هي أن الإعلام الغربي لم يعد كما كان، فهل يا ترى سيستمر بالانحدار، أم نشهد ثورة تعيد الأمور إلى نصابها؟! ننتظر ونرى!