د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يُذيبُ الأدباء المعاني السامية في جوف أقلامهم؛ ثم يدفعون بها للعالم، وينتقون المجال والأحوال حتى لا يكون نتاج الحبر في أطوار النقاهة، فكم أبانت حرفة الأدب من المكنونات التي لم تدع الإنسان وشأنه؛ فما زال البوح عمَّا في العقل والوجدان والسوانح المختلفة يحيط بالحياة، إلا أن اشتراطات الكلام هي ذاتها مبنى ومعنى؛ والترقق في العناصر والتشكيل؛ والقوة والتأثير، وكل تلك المؤشرات الجمالية للكلام البشري يلزمها مرجعيات حاضنة محفزة؛ ولذلك كان إنشاء هيئة الأدب والنشر والترجمة بموافقة مجلس الوزراء الموقر ضمن الهيئات الثقافية الجديدة المناط بها إدارة القطاع الثقافي السعودي تأسيسًا على مصفوفة من الاختصاصات للهيئة الوليدة مجملها احتضان الأدب وفنونه وضروبه وأربابه وحماية دروب وصوله من وعثاء الطريق؛ فالأدب السعودي يتوق إلى إطار تنظيمي داعم لمحترفيه وهواته والذين تسموا به وتصدرتْ أسماؤهم هوية الأدب من الكلام المكتوب والمقروء؛ فالأدب بمفهومه الجميل وتنوع مراقيه وأجناسه دائمًا ما يحظى بتوق وشوق من النخب الفكرية وإن تباينت اختصاصاتها؛ كما تتلذذ بنتاجه جلّ التشكيلات المجتمعية والأفراد العاديين على حد سواء. فهو ليس سلعة تجارية إنما هو نصوصٌ ذات وهج وقيمة؛ وعند ذاك لابد أن يؤخذ بيد أصحاب المواهب الأدبية إلى بداية المسير تمهيدًا للحذق والسيادة، ويحتفى بالتلقي الأدبي في منصات العرض الثقافي والتنوير المجتمعي؛ ويُقَدَّم مبدعي الأدب إلى المجتمع كداعمين لجودة الحياة ووهجها وجمالها وكممثلين عن المجتمعات لطرح الفضائل من خلال الفنون الأدبية وصياغة مشاهد من النماذج القدوة والمواقف الرائدة! وذلك الاحتفاء بالأدب ورواده يُؤسسُ لصناعة محلية مكينة، وخلق مسافات من الاتصال الإنساني الراقي من خلال المحتوى الأدبي الذي ينبغي أن يتصدر مشهد التعايش والانسجام المجتمعي تحت مظلة الوطن الكبير، وهو كذلك احتفاء بكل منتج له دور فكري وتنويري، حيث يعتبر مؤشرًا على عافية الفكر والثقافة في بلادنا وأحد أهم العوامل لرفع الذائقة لدى الأفراد والجماعات، وتحقيق النظرة الجمالية والإيجابية للكون والحياة؛ ولأن الأدب كمفهوم تكويني فيه تفصيل وتفاصيل فيلزمه هيكل دقيق قادر على حمل مهمة الأدب والأديب بوضع خطة وطنية للنهوض بكل أطرافه ومكوناته، وسنّ القوانين التي تحمي حقوق الأدباء، وتحمي منتجهم الأدبي والفكري، وفتح المنصات للتعريف بالمواهبلأدبية الواعدة التي تعتبر صفوفًا قادمة لملء الفضاء الأدبي في بلادنا، واستحداث المراكز الأدبية في الأحياء الكبيرة والمحافظات، وترقية واقع الأندية الأدبية وتحميلها رسميًا مهمة التدريب الممنهج للمواهب الأدبية الواعدة وفق توجهاتهم ووفق خطة إستراتيجية معتمدة للتدريب وصقل الموهبة، والأخذ بأيدي المواهب حتى تحلق! وحيث يزخر المجتمع السعودي بالمبدعين في الأدب بفنونه المختلفة التي وصل كثيرٌ منهم للعالمية وجوائزها، فعسى أن يكون أولئك من المصطفين لبناء إستراتيجية هيئة الأدب الوليدة وقيادة مفاصلها، فبناء الجسور مطلوب للوصول الصحيح! وفي البدايات دائمًا ما يَحْسُنُ استطلاع الآراء المتخصصة في المجال في بناء خريطة السير من خلال الورش، وهي أسلوب علمي لاستحصال المعلومات والتوقعات واستشراف مستقبل المجال المطروح وفق المعطيات الحاضرة ووفق الرؤية الوطنية؛ وكم حصدتْ الورش من نتائج متينة بُنيت عليها قرارات مجزية لعلها تكون منارًا، كما ونأمل أن تتواشج مجهودات هيئة الأدب مع منصات المجتمع الوطنية وتنشيط تبادل الخبرات بين مؤسسات القطاع الخاص العاملة في هذا المجال كالصوالين الأدبية، فهي رِكاز غرسه أصحابه فأينع حصاده وإن كانت الجهود شخصية، وليت مجتمعنا يطلع على إشراقات الآداب العالمية وأن يكون لها دور في ترقية الذائقة الأدبية هنا حينما تجعل لها هيئة الأدب مسترادًا في نطاقنا الثقافي فتتحقق المثاقفة المطلوبة مع العالمية، وأختم بترويج صادق للموسوعات الأدبية السعودية فكم نحتاج إليها لجمع نوادر الأدب السعودي، ونفائسه وتاريخ الفنون الأدبية بأسلوب الموسوعات الذي حفظ روائع الآداب العالمية، فنأمل من الهيئة تبني مشروع الموسوعات من خلال انتخاب جلي واضح لذوي الاختصاص الأكفاء في المجال والمبدعين في تأليف تاريخ الأدب ودراساته، وصديقتنا التقنية حتمًا ستكون عونًا في ذلك!
بوح الأدب،،
إن عزّ في هذا الربيع لقاؤنا
سنعيش ننتظر الربيع الثاني