حمّاد السالمي
قدمت قناة (روتانا خليجية) في ليالي رمضان المبارك الفارط حلقة مميزة من برنامج (الراحل) عن حياة الأمير: (عبد العزيز بن فهد بن معمّر) رحمه الله. ابن معمّر الذي وُلد وعاش في كنف (جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود) رحمه الله، مؤسس وموحد كيان المملكة العربية السعودية، وهو أحد رجالاته المعروفين المشهورين، الذي منحه ثقته وهو في مقتبل العمر، بأن جعله على رأس سرية تحاصر مدينة جدة لفتحها، ثم ولاه إمارة ينبع، فأمّره بعدها على مدينة جدة بعد أن تحولت من قائم مقامية إلى إمارة، وما لبث أن ولاه إمارة الطائف التي كانت من كبريات الإمارات الإدارية، يوم كانت تزكي أجزاء من منطقة الباحة، إضافة إلى الليث والقنفذة إلى حدود جازان، فظل يديرها بحنكة سياسية بارزة، وفهم إداري أبوي طيلة ثلث قرن، حتى تقاعده عن العمل.
كان لي شرف المشاركة في هذه الحلقة من برنامج (الراحل)، الذي يعده ويقدمه المذيع النابه المبدع: (محمد الخميسي)، وفاتني حقيقة أن أذكر قصة طريفة وقعت للشيخ الرحالة: (عبد الله فلبي) وهو في الطائف، ووصل أمرها إلى أمير الطائف وقتها: (عبد العزيز بن معمّر)، فعالجها بما عُرف عنه من حكمة وأدب وفهم قلّ نظيره. أستدركُ اليوم فأورد هذه القصة ذات الصلة بحياة (ابن معمّر)، على طريقة موحِّد كياننا ومرسي أمننا ورخاءنا (الملك عبد العزيز) رحمه الله، طريقته في الاستدراك على رسائله وبرقياته ومكاتباته إلى من يتولون من قِبله شؤون الناس في المملكة يومها؛ فقد كان يقول في ذيل هذه الرسائل والمكاتبات: (ملحوق خير)، ثم يورد النص الموجَّه والتوقيع عليه. وكنت قد أعجبت بهذا الأسلوب يوم بحثت ذات يوم، ونشرت عن الكتب التي دعمها جلالته، وصدرت في عهده، ونُشر هذا البحث في دورية (عالم الكتب) التي كانت تصدر عن (دار ثقيف للنشر والتأليف)، لصاحبها الأديب والناشر الأستاذ: (عبدالرحمن بن فيصل المعمّر). إن مفردة: (ملحوق) مفعول من (لَحِق)، ولها دلالتها اللغوية في الإيجاز والإعجاز.
كان الشيخ (عبد الله فلبي) -رحمه الله- يتردد على الطائف كثيرًا، خاصة إذا كان (الملك عبد العزيز) يصيف بها كما هي عادته عدة أشهر كل عام. وكان سكنه بحي المثناة قبالة بستان ومسجد عداس، وكان يتحرك في رحلات بحثية بين الشفا والهدا وليّة وغيرها، وإذا عاد عكف مساءً على تسجيل مشاهداته وكتابة ملاحظاته، ويستخدم لذلك مكنة طباعة (استنسل) كبيرة الحجم، ربما لم يكن لها نظير حتى في بعض الدوائر وقتها، والناس لم يعرفوا هذا، ولم يعتادوا على سماع صوتها، ففي كل ليلة كان جيرانه يسمعون صوت طقطقات الآلة، وذهبت بهم الظنون كل مذهب، حتى استقر بهم الأمر أن يشكوه لأمير الطائف؛ فذهب بعض منهم وقال لأمير الطائف: بجوارنا (نصراني)..! ربما لم يعرف بعضهم أنه مسلم، خاصة أن بجوار سكن فلبي تسكن البعثة البريطانية لتدريب الجيش في دار كبيرة. قالوا: إنه يخابر الجن..! ففي الليل تصدر من عنده أصوات غريبة، وهو يعيش وحده. وصلت الرسالة، وتحرى الأمير الحكيم ابن معمّر بطريقته، فعرف السبب، وبطل العجب. حتى أن فلبي مات ربما - رحمه الله - وهو لم يعرف بهذه الشكوى ضده. كنتُ أسمع بهذه القصة في مجلس ابن معمّر -رحمه الله-؛ ولهذا أردت أن تكون (ملحوق خير) لما ورد في البرنامج عنه من خير.
ومما يجدر بنا إلحاقه ضمن (ملحوق خير) هذا قصيدة الشاعر: (عبدالملك بن عواض الخديدي)، التي ألقاها في أمسية تكريم الأمير عبد العزيز بن معمّر -رحمه الله- في (منتدى السالمي الثقافي) مساء يوم 28 - 8 - 1434هـ، ضمن برنامج للمنتدى بعنوان: (وجه ووجيه من الطائف المأنوس)، حيث قدم المنتدى وكرّم من خلاله عددًا من شخصيات الطائف الإدارية والمجتمعية الشهيرة. والأمسية كانت برعاية كريمة من محافظ الطائف وقتها: (فهد بن عبد العزيز بن معمّر) - متعه الله بالصحة -. تقول القصيدة:
وطنُ الكرامِ على الدَّوامِ كريمُ
متوهجٌ في العالمين عظيمُ
وطنٌ سعوديُّ المشاربِ نبعُهُ
وحيُ الكتابِ شريعةٌ وعلومُ
بنيانهُ التقوى تطاولَ شامخاً
فتراه في كبدِ السماءِ يُقيمُ
لبناتهُ خيرُ الرِّجالِ سواعدٌ
رفعتْ جداراً للوفاءِ يدومُ
جمعَ المؤسِّسُ في جزيرةِ ملكهِ
سِربَ الصقورِ على البلادِ تحومُ
فأرادَ للمأنوسِ عاصمةِ الندى
خيرَ الإمارة زانها التنظيمُ
نطقتْ حروفُ المجدِ بابن معمَّرٍ
رجلٌ لإحدى القريتينِ زعيمُ
عبد العزيزِ أميرُها وجليلُها
رمزُ المروءةِ بارعٌ وحكيمُ
حفظت لهُ أمُّ المصائفِ ودَّها
والكلُّ فيها للأميرِ حميمُ
شربَ العدالةَ والشهامةَ هانئاً
في كأسِ ملكٍ صاغهُ التقويمُ
أضفى عليهِ الدينُ حسنَ طويَّةٍ
وسقتهُ من نبعِ السخاءِ تميمُ
ومشى إليهِ الفضلُ يحملُ اسمَهُ
والناسُ تشهدُ والرضا معلومُ
شهدوا لهُ بالخيرِ في خلواتهم
نعم الأمير له النقاءُ نديمُ
كان الوفيّ لهم وكانوا مثلهُ
إنَّ الوفاءَ شواهدٌ ورسومُ
ويباركونَ الحزمَ في أفعالهِ
والعدلُ في كفِّ الرِّضا موسومُ
رحلتْ ركائبُهم إلى ربِّ الورى
والفضلُ عقدٌ للورى منظومُ
هذا المساءُ تفتحتْ أبوابهُ
بنسائم وفَّـى بها التكريمُ
يستحضرُ الماضي القريبَ بمجدهِ
فيثيرُ وجدانَ البليغِ كليمُ
بشراكَ فهدٌ يا ابن فجرٍ باهرٍ
ما غاب فجرٌ أنت فيه تقومُ
انظر إلى الأجواءِ تنشرُ غيمها
مطراً كجودِكَ والسحابُ هميمُ
وافخر بهذا الجمع جاء مُكرِّماً
في منتدى أحيا رباهُ فهيم