في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإيراني من ضغط مخيف، ناتج عن العقوبات الأمريكية والركود الاقتصادي وارتفاع التضخم وسوء إدارة الموارد، تجد إيران نفسها عاجزة عن تحمل أي ضربة أخرى لاستقرارها، وها هي الآن تتلقى هذه الضربة في شكل أزمة صحية ناجمة عن وباء كورونا.
الأرقام الحقيقية للوباء أعلى من ذلك بكثير بسبب عدم الإبلاغ عن الكثير من الحالات، فقد أغلق هذا الوباء المدارس والجامعات وبعض الأماكن العامة، ومن المرجح أن يثير الخوف والسخط السياسي وانعدام الثقة، وقد تتأثر منطقة الشرق الأوسط برمتها قريبًا بالدور الذي تمثله إيران باعتبارها بؤرة لهذه العدوى.
من الصعب تحديد حجم هذا الوضع المأساوي الماثل في إيران، ما زاد الأمر سوءًا أن السلطات الإيرانية تعاملت مع الوباء ببطء، وعدم الشفافية، وعدم تبني إستراتيجية واضحة لمواجهة انتشار الوباء.
تأتي هذه الأزمة الصحية في مقدمة أزمات أخرى ظلت إيران تعاني منها منذ فترة، منها العقوبات الأميركية، التي قلصت بشكل كبير صادرات النفط الإيرانية، والركود الاقتصادي العميق، ومعدل البطالة الذي فاق بين الشباب 26 بالمائة، وارتفاع التضخم بنسبة 37 بالمئة، وإعادة إدراج إيران مؤخرًا في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)، ما تسبب في بروز أزمات جديدة في سوق العملات الأجنبية في إيران، ليأتي تفشي فيروس كورونا ليزيد الأوضاع سوءًا.
ظل الاقتصاد الإيراني يعاني من ركود شديد قبل تفشي الوباء، توقع صندوق النقد الدولي انكماشًا بنسبة 9.5 بالمائة للعام المالي 2019- 2020م، وبظهور وباء كورونا الجديد قد تتفاقم الأوضاع أكثر، وقد ينتج عنه المزيد من التهديد للاقتصاد.
النتائج الوخيمة للوباء المتفشي بدأت في الظهور، فقد انقطعت التجارة مع 11 دولة، بما في ذلك شركاء تجاريون مهمون مثل أفغانستان والعراق وتركيا، أغلقت كثير من الدول حدودها أمام إيران، أهم الدول إثارة للقلق بالنسبة للإيرانيين هي الصين، فهي مشترية كبرى للنفط الإيراني، وموردة لمجموعة واسعة من المنتجات لإيران، بما في ذلك العديد من المدخلات الوسيطة في قطاع الصناعات التحويلية الإيراني، وفقًا للغرفة التجارية الإيرانية - الصينية، يبلغ حجم التبادل التجاري مع الصين 25 % من حجم التبادل التجاري الخارجي الكلي لإيران.
أيضًا تباطأت السياحة، من المحتمل أن يكون هناك ضربة قوية للسياحة، إلى جانب الاندفاع نحو الأصول الآمنة، مثل العملات الأجنبية والذهب في أوساط الشعب الإيراني، ما سيوجد ضغوط على سوق العملات الأجنبية في بلد أدرجته مجموعة العمل المالي على قائمتها السوداء للبلدان التي لا تمتثل لقوانين غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يؤدي إغلاق الحدود مع الدول المجاورة، وخاصة العراق، إلى انخفاض تدفق العملات الأجنبية إلى إيران، ففي الأسابيع القلية الماضية، تسبب قرار مجموعة العمل المالي بإدراج بنوك إيران في قائمتها السوداء وتفشي كورونا في انخفاض قيمة الريال الإيراني بنسبة 12 بالمائة مقابل الدولار الأميركي.
وفيما يتعلق بالآثار الأوسع نطاقًا على إيران والمنطقة بصفة عامة تجدر الإشارة هنا إلى أن أزمات إيران الصحية ذات تاريخ طويل، منها أوبئة الكوليرا التي اجتاحت إيران في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ما أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح، وتسبب سوء التعامل مع هذه الأوبئة في حدوث تغييرات سياسية مهمة فيما مضى، بما في ذلك الثورة الدستورية التي حدثت بين عامي 1905 و1911.
أشارت وسائل الإعلام الإيرانية إلى أن رد الفعل البطيء للحكومة والاختناقات الناجمة عن نقص المعدات الطبية كانا محور السخط الاجتماعي في البلاد، ومع تزايد انتشار الوباء، وما يتبع ذلك من تفاقم لحالة الاستياء من الكيفية التي تدار بها الأزمة، يتوقع المراقبون أن يؤدي ذلك إلى جر البلاد إلى اضطرابات سياسية جديدة.
مشكلات إيران لها تاريخ في التحول إلى صعوبات بالنسبة للآخرين، فقد يؤدي انقطاع حركة التجارة وإغلاق الحدود إلى المزيد من التدهور في علاقات إيران مع الدول المجاورة.لها، وخاصة العراق، الذي يعتمد اقتصادها اعتمادًا كبيرًا على التجارة مع إيران.
- موقع المعهد الأمريكي للسلام
** **
عدنان مزاري - اقتصادي غير متفرغ في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي