دبي - «الجزيرة»:
يواجه نحو ثلث سكان العالم شكلاً من أشكال تقييد الحركة في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19». ونتيجة لاستمرار هذه الأزمة تطفو على السطح أسئلة أساسية كثيرة، أهمها؛ متى ستعود الحياة إلى طبيعتها؟ وما نوع التداعيات الاقتصادية التي يمكن أن نتوقعها نتيجة هذا الوباء العالمي؟ يسلط هذا التحليل الذي نشره موقع «مرصد المستقبل» الضوء على توقعات اقتصادية يقدمها مفكرون بارزون في هذا المجال، في محاولة للإجابة على هذين التساؤلين.
أزمة مالية أشد وطأة من أزمة العام 2008
شهدنا خلال جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد- 19» انخفاضًا حادًا في إنفاق المستهلكين في جميع أنحاء العالم، إذ توقف السفر وقطاع السياحة بشكل عام، وتباطأت الصناعة بسبب القيود التي فرضت على الحركة، وأدى انخفاض الاستهلاك إلى انخفاض الطلب. وتشير أرقام البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية ومؤشرات رئيسة أخرى، إلى أن تأثير الأزمة الحالية كان أكثر حدة من تأثير الانهيار المالي العالمي خلال العام 2008؛ فمنذ فرض إجراءات الحجر في الولايات المتحدة، فقد نحو 22 مليون شخص وظائفهم، مقارنةً مع نحو 8.6 مليون شخص في ذروة الأزمة المالية العالمية للعام 2008. وفي الصين، تراجع الاقتصاد بنسبة 6.8 % في الربع الأول من هذا العام، لتكون المرة الأولى التي لا تحقق فيها تلك الدولة نموًا إيجابيًا خلال أكثر من أربعة عقود.
ماذا نتوقع على المدى المتوسط والبعيد؟
يتفق الجميع أن وقع التأثير الاقتصادي سيكون شديدًا وملموسًا على المدى القريب. لكن السؤال الأكثر إثارة للجدل الذي يطرحه الاقتصاديون: ما الذي سيحدث للاقتصاد العالمي على المدى المتوسط إلى البعيد؟ هل سنمر بركود يتبعه انتعاش مفاجئ بمجرد احتواء الفيروس، كما يتوقع الكثيرون؟ أم أننا سنشهد انتعاشًا بوتيرة تصاعدية أبطأ؟
تسطيح المنحنى
هذه بلا ريب أسئلة معقدة ذات أبعاد متعددة؛ ففي الحالة الأولى، سيعتمد الوضع بشكل كبير على مدى إمكانية احتواء الفيروس. إذ يراقب الكثيرون بعناية الوضع في الصين وتطورات انتشار الفيروس فيها؛ بعد أن نجحت في تسوية المنحنى وبدأت بعض مظاهر الحياة الطبيعية فيها بالعودة وعادت الأعمال التجارية. ولهذا يتوقع أن ينمو اقتصادها خلال العام 2020 لكن بنسبة هامشية لا تتجاوز 1.2 % وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي. لكن عند الأخذ بالاعتبار القوة الاقتصادية العالمية التي تتمتع بها الصين، ندرك أن هذا لا ينطبق على جميع الدول بعد تجاوز هذه الأزمة.
انتعاش مرتقب في العام 2021
الصين ليست معيارًا لباقي الدول، فالمدة اللازمة لتسوية المنحنى متغيرة بشكل كبير من بلد إلى آخر، خاصة بوجود مناطق عدة لم تتجاوز الذروة بعد. ويحاول علماء الأوبئة الوصول إلى توقعات معتمدة بشأن انتشار الفيروس، والتي تمثل البيانات التي يعتمد عليها الاقتصاديون. ويتوقع البحث الذي أجرته شركة أوكسفورد إيكونوميكس تخفيف القيود في الربع الثاني وبدء الانتعاش في الربع الثالث. ووفقًا للمعهد يتوقع أن يؤدي الانتعاش إلى طفرة حادة تظهر على شكل الحرف V في الرسومات البيانية، فضلًا عن تخفيف القيود التي لها تأثير مباشر على الاستهلاك في الأسواق. وتشير التوقعات إلى أن قطاع السياحة في دولة الإمارات العربية المتحدة سيشهد انتعاشًا كبيرًا بحلول العام 2021، ومن المتوقع أيضًا أن تعود مستويات الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى المستوى ذاته ما قبل فيروس كورونا المستجد، بحلول العام ذاته.
دول مجلس التعاون الخليجي
وبعيدًا عن احتواء الفيروس وتخفيف قيود الحجر، يرتبط انتعاش الأسواق بالسياسات المالية الوطنية. إذ تُظهر الأبحاث أنه كلما دعمت الحكومات اقتصادها للتغلب على الأزمة في المدى القصير، انحسرت الحاجة إلى الإنفاق على المدى الطويل. لذا آثرت الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي دعم القروض المدعومة من الحكومة للشركات، وخفض المدفوعات ورسوم الخدمات الأساسية مثل الطاقة والخدمات المالية. وأعلنت دولة الإمارات عن حزمة دعم اقتصادي بقيمة 34.4 مليار دولار، بينما بلغت قيمة حزمة الدعم في المملكة العربية السعودية نحو 32 مليار دولار. ومع ذلك ما زالت الحكومات الإقليمية تشعر بالضيق لانخفاض أسعار النفط إلى ما تحت 20 دولارًا للبرميل، وإلى نصف هذا السعر أحيانًا. وفي الوقت ذاته، ستؤدي متطلبات الإنفاق إلى زيادة العجز في الميزانية. ومن المتوقع أيضًا أن ينخفض النمو في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 0.6 % فقط في عام 2020 وقد تنزلق المنطقة إلى الركود. لا ريب أن كثيرًا مما سيحدث بعد العام 2020 في دول مجلس التعاون الخليجي على المدى المتوسط إلى البعيد، سيرتبط ارتباطًا وثيقًا بانتعاش أسعار النفط، لكن معظم دول المجلس تتمتع بقدرات على تخفيف الصدمة بوجود أصول مالية كبيرة.
شكوك
ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماش دخل الفرد في أكثر من 170 دولة -مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي- بنسبة 3 % مع استمرار الركود العالمي خلال العام 2020. ومن المتوقع أن يأتي الانتعاش الاقتصادي في العام 2021 بشكل جزئي فقط، لكن قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل عودة الطلب إلى مستويات ما قبل فيروس كورونا المستجد. وما زلنا غير متيقنين من قدرتنا على خوض مواجهة ثانية أو موجات لاحقة من الفيروس يمكنها أن تسبب ركودًا طويلًا أو حتى كسادًا. وسيستمر هذا الحال حتى اكتشاف اللقاح، الذي تشير التقديرات إلى توفره في ربيع العام 2021.
الفرص الإقليمية ما بعد كوفيد- 19
وحتى ذلك الحين، سيكون تفاني الحكومات في إجراء الاختبارات وتطبيق إستراتيجيات العزلة، بمنزلة الدرع الحامي من الآثار المترتبة على هذا الفيروس. وستكون دول مجلس التعاون الخليجي بعد انتهاء هذه الأزمة في وضع جيد يتيح لها إمكانية الاستفادة من العديد من فرص النمو التي ستزدهر بعد فيروس كورونا المستجد كوفيد- 19، من ضمنها التجارة الإلكترونية المتزايدة والخدمات اللوجستية وتقنية المعلومات مع التركيز على الرقمنة، فضلًا عن تقديم الخدمات الصحية عن بعد. ومن المتوقع أن تسرع الأزمة من تطور هذه المجالات التي شهدت فرص نمو واعدة حتى قبل تفشي فيروس كورونا المستجد، لتصبح أهميتها أكبر في مواجهة الظروف الجديدة. ومثلما نجت المنطقة من أزمة العام 2008 وانتعشت بعد ذلك، تظهر الاقتصادات الإقليمية قوة في التعامل مع تأثيرات جائحة فيروس كورونا المستجد، على الرغم من التوقعات بأنها ستتعرض لانتكاسة على المدى القصير.