فضل بن سعد البوعينين
تعود الحياة من جديد إلى طبيعتها، وكذلك الأنشطة الاقتصادية بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من الحجر والتعليق. فترة قصيرة في عمر الزمن، غير أنها ثقيلة ومكلفة ماليًا لمجتمع لم يمر بتجربة الحجر المنزلي، أو تعليق الاقتصاد من قبل. نجحت الحكومة في إدارة الأزمة بكفاءة، برغم فجاءتها وعمقها وتكاليفها الاقتصادية والمالية وعدم وجود تجارب سابقة يمكن استنساخها، ليس محليًا فحسب بل وعلى مستوى العالم. تجربة مؤلمة غير أنها ثرية بالدروس والعبر، وخلاقة للبرامج والأنظمة وسياسات التعامل مع الأزمات؛ التي تعتبر من المكاسب التي تولدت من رحم الجائحة.
ومن دروس الجائحة المستفادة على مستوى الدولة، أهمية التحوط المالي والتعامل الأمثل مع الأزمات، والاستعداد قبل حدوثها؛ بإستراتيجية واضحة وبرامج يمكن الاعتماد عليها في خضم المواجهة السريعة. تعزيز الاحتياطيات المالية وخفض حجم الدين العام من الركائز المهمة في مواجهة الأزمات المالية، وكلما كان الدين العام منخفضًا في الأوقات الاعتيادية ساعد الحكومة في إيجاد بدائل تمويل سريعة في الأزمات، كما أن انخفاض حجم الدين العام يعني انخفاضًا في تكاليف خدمته، وهذا يوفر مزيدًا من أموال الميزانية العامة لمواجهة الإنفاق الطارئ.
البعد عن البيروقراطية وسرعة اتخاذ القرارات؛ المالية على وجه الخصوص، وإعادة ترتيب الأولويات وفق فلسفة الحاجة لا المحاصصة من المكاسب المحققة. أحسب أن كثيرًا من التشريعات وبنود الانفاق المؤجلة تم إنجازها بكفاءة خلال فترة الجائحة القصيرة؛ وأحسب أن ملف خصخصة القطاع الصحي بات أكثر وضوحًا للحكومة من جانبي المكاسب والتحديات ما سينعكس إيجابًا على آلية التعامل معه مستقبلاً.
أهمية تطبيق الحكومة الإلكترونية من الدروس المستفادة، ولولا الله ثم التحول الإلكتروني في التعاملات الحكومية لتعطلت مصالح الدولة والبشر، لذا من المفترض أن يتم تحقيق هدف التحول الإلكتروني في جميع القطاعات الحكومية سريعًا، وأن تكون شبكة الربط داخلية لضمان الأمن التقني والاستدامة.
نجحت الحكومة في تجنيب البلاد والعباد أزمة غذائية حادة من خلال مخزونها الإستراتيجي والإدارة الحكيمة للمخزون والأسواق، وهو أمر يستحق الإشادة والتقدير، كما أنه يعزز أهمية توفير ما لا يقل عن 60 % من الاحتياجات الأساسية محليًا، أو من خلال الشراكات العالمية الضامنة لتدفق السلع والمنتجات الأساسية حتى في الأزمات. تحقيق متطلبات الأمن الغذائي والدوائي ضرورة تتطلب سرعة الإنجاز لمواجهة الأزمات المستقبلية.
أثبتت الجائحة أهمية رؤية 2030 وبرامجها الاقتصادية الهادفة لتنويع مصادر الاقتصاد والدخل، وتعزيز المحتوى المحلي، بل أجزم أن أزمة كورونا زادت من أهمية الرؤية لمستقبل البلاد والعباد، وربما حفزت الحكومة للتسريع بتنفيذ برامجها الإستراتيجية.
أختم بالتأكيد على أن رفع الاحترازات والعودة للحياة تدريجيًا لا يعني زوال فيروس كورونا، بل يعني التعايش مع الأزمة وخفض تداعياتها المجتمعية والاقتصادية، ما يستوجب الالتزام بالاحتياطات الصحية وسياسة التباعد الاجتماعي ومعايير النظافة لضمان عدم عودة انتشاره. فالمسؤولية باتت في عنق المجتمع بعد فترة طويلة من التثقيف ورفع الوعي المجتمعي وتوفير أدوات ومتطلبات الحماية.
الالتزام بالعادات والمعايير الصحية ستضمن - بإذن الله - انخفاض الحالات، ما يعني استدامة الحياة الطبيعية والأنشطة الاقتصادية، خصوصًا أن عدد الحالات هو المؤشر الذي ستعتمد عليه الحكومة لتقييم الوضع العام، فإما المضي في الحياة الطبيعية وعودة الأنشطة الاقتصادية والأعمال، أو العودة إلى الحجر والتعليق في حال ارتفاعها من جديد - لا قدر الله.