د. محمد عبدالله العوين
تذهب الظنون ببعض المتشائمين إلى أن العالم سيعاني طويلاً من جائحة «كورونا» التي تفشَّت في 206 من دول العالم؛ بل إن بعضهم ردد أقولاً بأن هذا الوباء حلَّ ولن يرحل، وسيظل ملازماً للبشرية.
هذا الظن المحبط لا يسنده دليل من تاريخ الأوبئة ولا من التاريخ الطبي الذي واكبها في الأزمنة القديمة والحديثة.
وبقراءة سريعة لسجل الأوبئة عبر التاريخ البشري نجد أن عمر كل وباء يتراوح بين ثلاثة أشهر وثلاث سنين في غالبها إلا في حالات نادرة جداً، وأن الوباء في بدايته يأتي قوياً مندفعاً كالسيل المنحدر الجارف فيكتسح ما أمامه ويغرق ويميت حسب قوة انحداره، ثم يبدأ في الضعف والانحسار شيئاً فشيئاً إلى أن يتوقف السيل تماماً.
الأوبئة هكذا هي في نشأتها ثم قوتها في الانتشار أشهراً تكون قاتلة أو ممرضة، ثم تبدأ في خط النزول وضعف التأثير على الرغم من وجودها؛ ولكن دون فاعلية تُذكر، أي أنها في مرحلة الضعف والتلاشي قد تصيب وتسجل في الفحص الطبي إصابة وتكون أجساماً مناعية مضادة؛ ولكنها لا تؤثِّر في الأجسام المصابة تأثيراً مميتاً.
ويبدو أن فيروس كورونا دخل الآن في بدايات مرحلة الضعف في مناطق عدة بعد أن أكمل فيها دورة القوة المصحوبة بالتأثير المميت كما حدث في يوهان بالصين وإيطاليا وإسبانيا، فبعد أن تصاعدت قوة فيروس كورونا إلى القمة بدأ ينحدر في الخط النازل العكسي الذي يصيب بدون تأثير قوي كسابقه في المرحلة العنيفة الأولى حين بدأ انطلاقه وانتشاره بسرعة مخيفة.
ولو تقصينا عدداً من الأوبئة في التاريخ البشري لوجدنا أنها تمر بالمراحل التي أشرت إليها آنفاً؛ فمثلاً وباء (الطاعون) الذي أفنى 25 مليوناً من سكان الإمبراطورية البيزنطية بدأ عام 541-254 ق.م، ووباء (الموت الأسود) كما عرف آنذاك، ويعنى به (الطاعون) الذي اجتاح مناطق واسعة من أوروبا وآسيا وأفنى 100 مليون بدأ 1338 - 1351م وهذا العمر الطويل للموت الأسود (أحد عشر عاماً) يعد نادراً جداً في تاريخ الأوبئة؛ لأسباب لا يتسع المقال لسردها، هذا في التاريخ القديم.
أما في التاريخ الحديث فلنأخذ أشهر وباءين ؛ فلا يمكن أن تمر سيرة الأوبئة دون أن يتوقف الراصد عند وباء الإنفلونزا الأسبانية التي اجتاحت العالم كله خلال عامي 1918- 1920م وأفنت 75 مليوناً من البشر، أو وباء إنفلونزا آسيا التي اجتاحت العالم ما بين 1957- 1958م وقتلت مليونين.
وتختلف الأوبئة في عمرها بين القصر والطول؛ لكن كثيراً منها يكاد يتشابه في صفات البدء بقوة مصحوباً بالفتك ثم الدخول في مراحل الضعف والانحسار والتلاشي.
ولا شك أن ثمة عوامل متعددة تساعد على قوة وسرعة الانتشار والفتك، كما أن جهوداً طبية ممتازة قد تحد من تأثيرها السلبي.
كورونا يبدأ بقوة في بلد ما، ثم يضعف فيه، وهكذا.
يبدأ صاعداً إلى القمة، ثم يدخل مرحلة التراجع كما حدث في بعض البلدان كإيطاليا مثلاً؛ فهل بدأ يفقد قوة إمراضه وإماتته البشر؟