د. محمد عبدالله الخازم
جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) أكبر من مجرد حدث طبي أليم استنفرت له الدوائر الطبية والبحثية، وما زالت تصارع آثاره وتبحث في تفاصيله وكيفية علاجه والوقاية منه، بل أزمة أثرت ولا تزال على كافة تفاصيل الحياة، على ضوئها تستحدث ممارسات جديدة في الإدارة وفي الاقتصاد وفي التعليم وفي المجتمع وحتى في تصرفات الفرد الصغيرة. بعض الدول كانت سريعة في اتخاذ القرارات الحاسمة وبعضها ترددت وتسبب تأخرها في صعوبات مضاعفة من الناحية الطبية والمجتمعية والاقتصادية. المملكة كانت من أوائل الدول التي اتخذت قرارات حاسمة وقد ساعدها في ذلك عدة عوامل منها:
1. توفر وحدة القرار السياسي والإداري، فليس هناك معارضات حزبية أو تنافسات تكبل الحكومة عن سرعة اتخاذ القرار كما حدث في دول أخرى.
2. قناعة المجتمع السعودي بصدق وحرص القيادة السعودية على مصلحة الناس ومصلحة الوطن.
3. ثقة القيادة العليا بالرأي العملي ودعمه مع بداية الأزمة حتى ولو تعارض مع أولويات الاقتصاد والسياسة. رأينا دولاً كبرى يتدخل الرئيس أو رئيس الوزراء في الرأي العلمي حتى أصبح محل تندر في مختلف الأوساط العلمية.
4. ثقة القيادة العليا بكوادرها التنفيذية والقيادية في كافة القطاعات ودون أدنى شك يأتي على قمة ذلك القائد التنفيذي سمو ولي العهد وبقية الوزراء كل في مجاله.
5. تعاون مختلف القطاعات لمصلحة الوطن، وقد رأينا ذلك التكامل بوضوح بين الصحة والأمن والحرس والتعليم والتجارة وغيرها.
6. وعي المجتمع السعودي بكافة قطاعاته بخطورة الوضع وتجاوبه مع قيادته دون إثارة للبلبة. بالطبع تحدث بعض التجاوزات لكنها هامشية ودافعها ضعف الوعي والثقافة المحدودة بخطر الأزمة..
في ظل ذلك اتخذت المملكة خطوات سريعة وحاسمة تمثَّلت في الحضر الصحي وفرض التباعد الاجتماعي وتقديم الدعم اللازم للقطاعات ذات العلاقة كوزارة الصحة وقطاعات الأعمال والقطاع الاجتماعي. وقد أثبتت تلك القرارات قدرة الحكومة على التحرك السريع وفرض ما تراه مناسباً ووفقاً للظرف الطارئ. وهذا أمر ليس بالبساطة، حيث لم يتح الظرف الطارئ الوقت الكافي للتخطيط وللتغييرات التي ستحدثها ولم يكن حتى واضحاً مساره النهائي حتى تُصاغ القرارات وفق خطة وزمنية واضحة. لذلك النجاح في مثل هذه الظروف يُقاس بسرعة اتخاذ القرار ونجاح تطبيقه في المجمل العام و قد أثبتت الحكومة السعودية قدرة في هذا المجال بما يثبت أن لديها خبرات إدارية وقوة اقتصادية ومرونة اجتماعية قادرة على التعامل مع الأزمة وفق أفضل الممارسات المقترحة من قبل خبرائها المحليين وفي وقت قصير. ولعل تصرفها الحاسم والسريع في إقفال العمرة في هذا الوقت وإقفال الصلوات في المساجد فتح الباب كنموذج تم الاحتذاء به عالمياً حتى في الكنائس الغربية، وأذكر أحد قادة الكنائس أشار إلى أنه كان سهلاً علينا إقناع الناس بوقف التجمع يوم الأحد في الكنيسة بمجرد أن ذكرنا لهم كيف أن المسلمين أوقفوا أهم تجمع إسلامي لديهم في الحرم المكي. وكيف أن أكثر من مليار مسلم التزموا بقرار المملكة وقدَّروا حرصها على صحة الناس.