علي الخزيم
عشنا مراسم العيد السعيد مع احترازات فيروس كورونا بشكل مختلف ربما لم يحدث منذ عشرات السنين، ومع أن بعض الأسر قد وجدت ضيقاً تعاملت معه بإيمان وصبر جميل، نظراً لواقع حالها مع ضيق المسكن ولزوم البقاء فيه الَّا أن تقوى القلوب وقوة الإيمان بالله كانت فوق كل اعتبارات، ولعل حالنا مع العيد بهذه الظروف الاستثنائية قد استحضر لكثير منا جملة من التأملات والتَّفكُّر بممارساتنا الاحتفالية المختلفة.
فمثلاً قد تكون ممن استطاع التوفير بعدد وتكاليف الملابس الجديدة المفترضة للعيد واكتفى بالثوب الحقيقي لباس العافية، ومثلها مصاريف المتنزهات والاستراحات المبالغ بها، مما يتيح تدارس طريقتنا ومراسمنا لإقامة مناسباتنا، فكل هذه الاحتفاليات يمكن إتمامها بتكاليف أقل ومتعة أكثر، فنحن من نصنع الفرح ونُكيِّف إمكاناته، كما أنها فرصة للتأمل بما تبثُّه وسائل الدعاية والإغراء لجذبنا لمزيد من الكماليات الاحتفالية وزيادة الصرف عليها، ما يرهق جيوبنا ويزيد من شكوانا، لا سيما إذا علمنا أن أغلب هذه الأموال ستذهب تحويلات للحسابات الخارجية لعمالة تركز نشاطاتها على أكثر ما نميل إليه استهلاكياً وترفيهياً، وقد عبَّر كثيرون بأن احتفالية العيد بالمنزل أقل تكلفة وأكثر حميمية، فيما قال آخرون إنها لا تكتمل إلا بحضور ومشاركة الأقارب والأصدقاء، أو تكون بالاستراحات والمتنزهات والشاليهات، فالإمكانات المحدودة قد تعيق بعض الفعاليات الاحتفالية كضيق مساحة المسكن، والأطفال يرغبون بمزيد من المرح لاعتيادهم خلال الأعياد على المراجيح والألعاب المتعددة.
الأطفال لا يهمهم بالعيد سوى تَوفُّر الحُلويات والألعاب، هم لا يُدركون معنى الصرف المادي على متعتهم بها، وهم يؤمنون تماماً أن والديهم وأولياء أمورهم إنما جعلوا لخدمتهم وتيسير فعاليات حفلاتهم وبهجتهم بالعيد والنجاح، وهنا كانت فرصة مؤاتية لمحاولة تعويدهم الاعتدال بالاحتفاليات وإقناعهم أن كل حفلة يمكن أن تتم دون مبالغة، وأن الهدف ليس المبلغ الكبير لمصروفات جلب مقومات الحفلة ولوازمها، إنما هو إشعاع أجواء الفرح وتعميم المرح والبهجة بالمناسبة السعيدة، واستشعار معاني الود والمحبة، وتعويدهم الثناء على من أقام لهم هذه الاحتفالية من والدين وإخوان وأقارب، فهذه المعاني الراقية إذا تعلمها الأطفال بالصغر كانت لهم رصيداً محموداً بالكبر بتعاملهم مع المحيطين بهم ومع المجتمع بصفة عامة، وليكونوا أعضاء مؤثرين لطفاء اجتماعيين أينما حلوا، يُقدِّرون العطاء ويُثمنون المبادرات الجميلة والأعمال الجيدة النافعة للفرد والجماعة.
إني هنا أزعم أن من أهم مكتسبات احتفالاتنا بهذا العيد بهذه الصفة المفترضة؛ مع الأخذ بالاعتبار التباين بالإمكانات عند مختلف الأسر، هو: تعويد وتعليم الأطفال على ثقافة جديدة مهمة بشأن ممارساتنا الاحتفالية صرفاً ومراسماً، وتعويدهم وتدريبهم على ممارسة الأفراح (ببساطة الوسائل وكرم المشاعر) وإشعارهم أهمية التعاون من خلال المناسبات السعيدة لبناء علاقات أكثر مودة وحميمية، واستثمار المناسبة لتصفية النفوس وتنقية القلوب والخواطر من أدران البغضاء والشحناء المتراكمة بتداعيات مواقف سابقة، فيكون الأهم تعويدهم تنظيف أرشيف حواسهم من كل ما يُكدِّر نظراتهم للآخرين، ويُعكِّر تماسهم معهم، لتكون مناسباتنا وسعادتنا بأزهى صورها وأكمل مذاقها وأعذبه، ولن يتحقق هذا الَّا بالقدوة منا.