أحمد المغلوث
جاء العيد هذا العام حاملاً معه الفرح، ولكنه مشبع بشيء من الصمت، ومعطر بالحزن.. لما تعيشه بلانا وغير بلادنا من أوضاع احترازية، دعت إليها الظروف الصحية التي كانت نتيجة طبيعية وحتمية لوباء كورونا المستجد. ومع هذا فالعيد الاسم والمسمى هو اسم لكل ما يعتاد عليه الإنسان في كل مكان. وسمي العيد لأنه يعود كل سنة بفرح وسعادة متجددة، ولكونه مناسبة شُرعت شكرًا لله -عز وجل- بعد شهر رمضان، شهر القرآن والغفران. والعيد بعد ذلك وقبل ذلك فرحة لكل المسلمين الصائمين الحامدين والشاكرين. ومع هذا، ونحن نعيش العيد، ساعاته وأيامه، داخل منازلنا، نجد أن مدننا في مختلف المناطق، بل كل القرى والبلدات، حتى المراكز والهجر في بادية الوطن الشاسعة الواسعة، جميعها تقرأ من الذاكرة أيام العيد وفرحة العيد، وكيف تستقبله كل أسرة منذ لحظة إعلان أن غدًا العيد. ونحن نعيش أيام العيد يظل ماضي العيد مشرقًا ومشعًا مثل نور الوطن الذي من أجل صحتنا ورعايتنا وخوفه علينا جعل عيدنا هذا العام «عيدًا منزليًّا»، ويا له من عيد. لا شك أننا سعداء بأعيادنا المنزلية مهما تضايق البعض من هذه الإجراءات الوطنية، لكننا -والحق يقال- نثمن إجراءاته واهتماماته؛ إذ من أجلنا سخرت قيادتنا الحكيمة كل قدراتها وإمكاناتها من أجل ذلك، وأكثر من ذلك.
كم أنت كبير يا وطننا، وعزنا وأمنا الحنون، ونحن نعيش لحظات العيد بين أفرد أسرنا والأمن والاستقرار يحيطنا كإحاطة السوار بالمعصم.. ويستمر نور العيد مشرقًا بتلك الذكريات التي لا تُنسى، التي سكنت الذاكرة «الفاكرة» التي تعيد لنا مشاهد من أيام أعيادنا ونحن نتذكرها ونرويها للأبناء والأحفاد. كيف كنا نتراكض للوضوء ولبس ملابس العيد الجديدة؛ لنتوجه بعدها بصحبة آبائنا إلى مصليات العيد، ونحن نمني أنفسنا بكمّ هائل من «العيديات» التي سوف نحصل عليها من جدودنا وجداتنا وآبائنا وأمهاتنا.. رحم الله من رحل منهم، وأمد الله في عمر مَن يواصل ركضه في دروب الحياة. وما زلت أذكر وأنا أكتب هذه السطور بعض الذكريات التي لا تخلو من الطرافة والابتسام عندما لاحظت إلى جواري في صلاة العيد ونحن نستمع إلى الخطبة أحد زملاء الدراسة في المرحلة الابتدائية، يكاد يكون مشغولاً عن التركيز والمتابعة لما يقوله الشيخ الجليل في خطبته، وعندما خرجنا من المصلى لم أتردد في سؤاله عن السبب، فرد بكل بساطة وعفوية: كنت أحسب كم سوف أحصل من عيديات، فأنت تعرف أن أسرتي كبيرة -ما شاء الله- يعني أنني سوف أحصل اليوم على الكثير، خاصة أن العيد «عيد الفطر» يعني عيد الفلوس. أما أحد أبناء جيراننا فعاد إلى منزلهم وهو في حالة يرثى لها، وكما يقال كانت دموعه (أربع أربع)؛ فلقد اصطاده أحد الأشقياء من أولاد إحدى الحارات البعيدة عن حارتنا، وخطف منه «عيديته» التي تعب في جمعها؛ لذلك حرص على أن يضعها في محفظته ويحملها في يده متفاخرًا ومعتزًّا بكونه يملك «محفظة» جلدية، حصل عليها من خاله الذي كان يدرس في القاهرة. وظاهرة خطف العيديات كانت منتشرة في الماضي، زمن الظروف الحياتية الصعبة التي كانت سائدة فيما مضى منذ زمن. ولا شك أن كل واحد منا لديه ملف كبير عن حكايات عاشها، وكان أحد أبطالها خلال العيد وأيامه. كما نحن الآن لدينا ذكريات عديدة عن «العيد المنزلي السعيد»، سوف نتذاكرها مع بعض، وربما هناك من يرويها لأولاده أو أحفاده. وكل عيد وأنتم والوطن وقيادته بخير.