سعد بن دخيل الدخيل
غادر الملك عبدالعزيز في العشرين من رمضان مقر إقامته في رحلته لاسترداد الرياض، وسار حتى وصل (أبوجفان) وذلك ليلة عيد الفطر من عام 1319هـ الموافق 9 يناير 1902م، وأمضى الملك عبدالعزيز ورجاله أيام العيد على آبار (أبوجفان)، وفي ثاني العيد سار الملك عبدالعزيز ومن معه من أبوجفان باتجاه الرياض لقطع المرحلة ما قبل الأخيرة من مسيرته الظافرة، وفي صبيحة الخامس من شوال 1319هـ الموافق 14 يناير 1902م انتهت الأحداث باسترداد الرياض (الطريق على الرياض، دارة الملك عبدالعزيز)، ولعيد الفطر مع هذه البلاد وأهلها حكاية يروونها لحدث هو الأهم في الجزيرة العربية وما تلاه من توحيد وتأسيس، يروون هذه الحكاية لمن بعدهم من الأجيال كونه يجمع بين فرحتين، فرحة انقضاء شهر الخير والغفران والأمل بالعتق من النار، وبين فتح الخير وحلول الأمن والعتق من الفقر الخوف وانعدام الأمن. ولهذا كان الاحتفال بالعيد في زمن المؤسس يختلف وليس له شبيه فالناس تخرج فرحة ومهنئة وتتعالى أصواتهم بالحمد والثناء لله وحده الذي منّ عليهم بهذا المليك العظيم الذي انتشلهم مما كانوا فيه من جهل وضلال وخوف واستعباد، وحقق الله -عز وجل- لهم على يده الكريمة وعده الصادق، حيث يقول تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا . (انظر كتاب الإمام العادل صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود سيرته -بطولته- سر عظمته للسيد عبدالحميد الخطيب ص283).
كان الناس يحتفلون في أنحاء البلاد بعيد الفطر ويحرصون على تهنئة الملك عبدالعزيز شخصياً ومن لا يستطيع فالدعاء له هو ديدنهم مع تهنئة من يمثل الملك، جاء في جريدة أم القرى في العدد 980 الصادر يوم الجمعة 9 شوال 1362هـ: (في صبيحة يوم عيد الفطر المبارك قصد حضرة الجلالة الملك المعظم مسجد المصلى لأداء صلاة عيد الفطر محوطاً بحضرات أصحاب السمو الملكي والأمراء الفخام يتقدمهم حضرة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأفخم) ويصف الخبر تواضع الملك عبدالعزيز بقوله: (وبعد أن صلى جلالته أخذ في السير على قدميه حتى بلغ القصر المعد لاستقبال المهنئين) ويظهر هنا حرص الناس على التهنئة وحرصه على وجوده بين الناس أيضاً (فوفد عليه الوافدون من كل صوب لاجتلاء طلعته وللتشرف بتقديم جزيل التهنئة لسدته الملكية. ثم بعد أن تلقى جلالته جلالته من أمته نبيل عواطفها ورقيق شعورها قصد جلالته قصره الملكي العامر محفوفاً بعناية الله ورعايته)، كما أن البعيد من الناس يبعث تهانيه، فتذكر أم القرى خبر حلول العيد في عددها 1468 الصادر في 8 شوال 1372هـ ومشاعر الشعب نحو قائده: (بناء على أنه ثبت رؤية هلال شوال سنة 1472هـ في ليلة الجمعة الموافق 12 يونيو 1953م ثبوتاً شرعياً اعتبرت تلك الليلة ليلة عيد الفطر السعيد وقد أطلقت المدافع في جميع أنحاء المملكة إيذاناً بحلول هذا العيد. وتدفقت البرقيات تحمل أخلص آيات الولاء وأصدق التهاني إلى أعتاب حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المفدى) وفي ذات العدد أوردت الصحيفة تصف العيد في مدينة الرياض تحت عنوان: «الاحتفالات الرائعة بعيد الفطر في مدينة الرياض»، تقول الصحيفة: (جاءنا من مراسلنا بالرياض في 1-10-1372هـ، ما يلي: احتفلت الرياض اليوم بعيد الفطر المبارك احتفالاً رائعاً فازدانت المدينة ولبست حلة قشيبة من معالم الفرح والسرور وقد توافد الناس إلى مسجد العيد من بعد صلاة الفجر وكانت جنود الحرس والدفاع والشرطة قد اصطفت أمام باب المسجد في انتظار تشريف صاحب الجلالة وسمو ولي عهده.. وفي الساعة العاشرة والنصف أقبل موكب حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى يحيط به وتتقدمه سيارات الحرس والحاشية) وجاء في الوصف أيضاً: (وكانت جموع الشعب تحيي جلالته على طول الطريق الممتد من قصر الحكم بالرياض إلى القصر الملكي بالمربع هاتفة بحياته الغالية داعية الله بإطالة حياته ودوام توفيقاته)، يقول الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي في قصيده «ليهنك الفطر -عيد أنت طالعه- عن حال الشعب حين يقدم العيد ويتوق لرؤية الملك عبدالعزيز وينال شرف السلام عليه وتهنئته بالعيد:
يابن الذي صان مجد العرب صارمه
ومن له في سبيل الله إقدام
(عبدالعزيز) المفدى- من له خضعت
بقدرة الله أعداء واخصام
ليهنك الفطر -عيد- أنت طالعه
وأنت في ثغره المفتر بسام
مهما نراك ففي لقياك من كثب
عيد -وعاد عليه الشهر والعام
وكان الملك عبدالعزيز يرسل التهاني للداخل والخارج ومنها برقية الملك عبدالعزيز الجوابية إلى نائب رئيس مجلس الشورى فحواها: (نائب رئيس مجلس الشورى الشريف محمد شرف رضاء- الطائف نشكركم وأعضاء مجلس الشورى على تهنئتكم لنا بعيد الفطر، ونسأله تعالى أن يجعله عيد خير وبركة على الإسلام والمسلمين عبدالعزيز)، وكان برنامج مراسم الاحتفال بعيد الفطر المبارك يعلن في الصحف قبل حلول العيد ويتضمن البرنامج التعليمات التالية:
أولاً: سيشرف جلالة الملك المعظم بعد صلاة العيد مباشرة إلى بهو الاستقبال بدار الحكومة.
ثانياً: تصطف جنود الشرطة والجنود النظامية ابتداء من دار الحكومة السنية إلى مخفر الصفا على الجانبين.
ثالثاً: تصطف الجنود العسكرية من الهجانة تحت رئاسة قوادهم ابتداء من مخفر الصفا إلى القصر الملكي على جانبي الشارع.
رابعاً: الدخول للمعايدة يكون على الترتيب الآتي:
1) رئيس القضاة، رئيس المحكمة الشرعية الكبرى، صاحب مفتاح بيت الله الحرام، النائب الأول والنائب الثاني لرئيس مجلس الشورى، مديرو الدوائر، قائمقام العاصمة.
2) نواب الشرع والعلماء.
3) أعضاء المجلس البلدي وهيئة الأمانة.
4) رئيس لجنة إدارة الحج وهيئته.
5) الأعيان والوجهاء.
6) المأمورون العسكريون.
7) المأمورون الملكيون.
8) خدم الحرم الشريف.
9) المطوفون ومشايخ الجاوا.
10) عمد الحوائر.
خامساً: يجلس المهنئون قبل دخولهم على جلالة الملك المعظم في غرف مجلس الشورى والنيابة العامة والخارجية والأوقاف والشرطة.
سادساً: يكون الدخول للمعايدة على جلالة الملك المعظم من الباب الجانبي والخروج من الباب الوسط.
سابعاً: أمين العاصمة ومدير الشرطة العام مكلفان بتطبيق هذا البرنامج.
بل إن جلالة المؤسس -غفر الله له- يتلقى التهاني بالعيد من القادة والملوك ففي عيد الفطر 1353هـ تبادل الملك عبدالعزيز برقيات التهاني مع جلالة الملك يحيى ملك اليمن وجلال الملك غازي ملك العراق، وصاحب السمو الأمير عبدالله بن الحسين أمير شرقي الأردن (أم القرى عدد 527)، كما نشرت في العدد 1419هـ الخبر التالي تحت عنوان: (تبادل تهاني عيد الفطر السعيد بين جلالة مليكنا المعظم وملوك ورؤساء الدول العربية والإسلامية) جاء فيه: (جاءنا من الديوان الملكي بالرياض في 4-10-1371هـ ما يلي: بمناسبة عيد الفطر السعيد جرى تبادل التهاني بين جلالة الملك المعظم وأصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء دول مصر واليمن والعراق والأردن وسوريا ولبنان وغيران وإندونيسيا والكويت وباكستان وقطر والبحرين وزنجبار ودبي ولحج والشارقة).
تمر أعياد الفطر ممزوجة بمشاعر الحب والولاء لهذا القائد ولهذا الوطن، إلا أن عيد الفطر من عام 1369هـ كان العيد الأميز والأجمل كونه عيداً ذهبياً، ففيه هبت البلاد السعودية من أقصاها إلى أقصاها معلنة سرورها وابتهاجها بمضي خمسين عاماً على فتح الرياض الذي يعد أول يوم وضع فيه جلالة الملك عبدالعزيز اللبنة الأولى لبناء دولته العظمى ولا غرو إذا ما احتفل العرب والمسلمون جميعاً بذكرى ذلك اليوم السعيد، وقد احتفلت المفوضية العربية السعودية بباكستان بذلك فأقامت ثلاث حفلات: حفلة غداء للفقراء والمساكين، وحفلة شاي لسبعمائة شخص من الأعيان وكبار الجاليات، وحفلة عشاء فخمة لفخامة الحاكم العام والوزراء ورجال السلك الدبلوماسي ووزعت على الحاضرين رسالة موجزة عن سيرة جلالة الملك المعظم مطبوعة باللغات الثلاث: العربية والأردية والإنجليزية. باسم العيد الذهبي وقد خطب الوزير المفوض السعودي في الحفل الأخير أمام فخامة الحاكم العام، ومما قال: «نعم في مثل هذا اليوم من خمسين عاماً مضت استطاع صاحب الجلالة أن يسترد ملك آبائه آل سعود الضائع، ويفتح عاصمتهم الرياض ببطولة فائقة ويعلن حكومته.. ونحن إذ نحتفل بهذا العيد السعيد (عيد الفطر المبارك) نعتقد أن جميع محبي السلام في العالم يشاركوننا فيه وخاصة العالم الإسلامي بأسره لأنه اليوم الذي وضع فيه صاحب الجلالة الملك الحجر الأساسي لبناء دولة إسلامية كبرى وطدت السلام « كما ألقى حاكم باكستان الخواجة الحاج ناظم الدين كلمة ومما قال فيها: «حضرات السادة والسيدات سرني أن أحضر هذا الحفل الذي أقامه سعادة الوزير السعودي احتفالاً بالعيد الذهبي لفتح الرياض الذي تم بيد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ذلك الأمر الذي أرجع القوة الحقيقية إلى الأمير الشاب الذي قاد فئة قليلة من أتباعه حتى تمكن بهم من الاستيلاء على عرض أسلافه وأقام بعد بضع سنين الأمن والسلام في جميع حدود مملكته، إن العيد الذهبي ذكرى ماثلة لما اتصف به جلالة الملك من ذكاء سياسي وتدبر وحزم وحد بها شتات أمه وجمع كلمتها تحت راية حكومة منظمة.. ومن أهم ما امتاز به جلالة الملك إقامة الأمن والسلام اللذين يتمتع بهما الحجاج أثناء أداء الحج.. أما اليوم فالمسافر الحاج في طول البلاد وعرضها ليس آمناً مطمئناً فحسب بل إن الذي يدهش حقاً أنه إذا سقط منه متاعه فهو على يقين بأنه سيجده محفوظاً دون نقض وقليل من الحكوماتالتي تستطيع أن تدعي أنها نفذت في ممالكها الأمن والسلام بهذه القوة والصرامة» (الإمام العادل ص286) وقد أذاع الوزير المفوض عبدالحميد الخطيب كلمة ضمنها قصيدة قال في مطلعها:
نصف قرن من العلا والجهود
جوزيت أن نصوغها يوم عيد
عشرات السنين ملأى من السؤدد
والبأس والنضال المجيد
وجاء فيها:
نصف قرن في عيده جاء يزجي
بالتهاني لنصف قرن جديد
يتولى الماضي ويقتبل الآتي
وآل السعود آل سعود
ومن فرح العرب والمسلمين بالذكرى الخمسين إشادة القاضي بمحاكم ليبيا الشرعية فضيلة الشيخ الشريف محمد خليل المغربي بما لجلالة الملك عبدالعزيز من المآثر الحميدة والحكم الرشيد والسياسة السدية التي أسس بها المملكة العربية السعودية حتى أصبحت وهي تحتفل بذكرى خمسين عاماً على دخول المؤسس للرياض مفخرة التاريخ ورفعت رؤوس العرب والمسلمين أمام العالم أجمع في مشارق الأرض ومغاربها. كما احتفلت القنصلية في بومبي بالذكرى الخمسينية، فقد أقام سعادة الشيخ يوسف الفوزان القنصل العام للمملكة العربية السعودية في بومبي حفلة رائعة بذكرى مرور خمسين عاماً على دخول جلالة الملك المعظم الرياض، حضرها رجال السلك الدبلوماسي والجاليات العربية وكانوا جميعاً يهتفون بالدعاء لجلالته بطول العمر في سعادة وهناء (أم القرى العدد 1321).
إن الشعب السعودي يعيش عيد الفطر كل عام بفرحتين، فرحة بفطره وانقضاء أيام جهد الصيام والقيام وقراءة القرآن، وكذلك فرحة فخر بتأسيس دولة عظيمة، أرضها أرض طهر ونقاء بفضل الله ثم بفضل مؤسس تقي نقي ومسيرة على منهاج النبوة، ولا تزال هذه الدولة -أعزها الله- تسير على هذا النهج الناصع تحت قيادة ملك الحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -وفقه الله-، ونرفع لهما التهنئة بعيد الفطر المبارك وللأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي والأمتين العربية والإسلامية.