واس - «الجزيرة»:
أدى المسلمون صلاة عيد الفطر المبارك في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وفقاً للأعداد والضوابط المتبعة في الصلوات الأخرى، والاحترازات الصحية اللازمة. وأمَّ المصلين في المسجد الحرام معالي المستشار بالديوان الملكي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، حيث حمد الله وأثنى عليه بما قدر وأعطى، وابتلى ووقى، بعلمه وحكمته، موصياً المسلمين بتقوى الله فهي التجارة الرابحة. وقال معاليه: «معاشر المسلمين: عيدكم مبارك، وتقبل الله منا ومنكم الصيام، والقيام، وسائر الطاعات، هذا يوم من أيام الله المباركة، إنه عيدنا أهل الإسلام، وسمي عيدًا لكثرة عوائد الله تعالى على عباده، بالبر، والإحسان، والإنعام، توالت نفحات ربنا في أيام دهرنا، فعم الوجود بره، ولطفه، ورحمته، وغفرانه، والعسر بفضل الله لا يدوم، والشدة لا تطول، والليل يعقبه الصباح، والصبر عبادة، والرضا إيمان، والدعاء يرفع الهموم، الله أكبر، فهو يستر العيوب، والله أكبر، وهو يدفع الكروب. وأضاف معاشر المسلمين: خلق الإنسان هلوعا، وهو أكثر شيء جدلاً، وقد أتي عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورًا، وهو على نفسه بصيرة، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: «الناس ما داموا في عافية فهم مستورون، فإذا نزل البلاء صاروا إلى حقائقهم فصار المؤمن إلى إيمانه والمنافق إلى نفاقه» {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ}. وأوضح معاليه أنه في حال الابتلاء يتبين من يعبد ربه، ومن يعبد هواه، في الابتلاء تمايز الصفوف بين أهل الإيمان وأهل النفاق. الله أكبر، أولى من حُمد، والله أكبر، أحق من شُكر، والحمد لله، أرحم من قُصد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، يقال ذلك -عباد الله- والعالم تجتاحه هذه الجائحة التي لا تعرف الحدود، ولا تستأذن في الدخول، ولا تحدها سلطة، ولا يمنعها مانع، جائحة أظهرت ضعف الإنسان، وقلة حيلته، وقصر نظره، فلا الثراء منها يمنع، ولا الفقر يوقع فيها، جيش أبرهة هلك بالأبابيل، والنمرود هلك ببعوضة، وهذا المخلوق الضعيف أمات مئات المئات، وحبس الناس، وقطع الاتصالات، أغلقت الحدود، وأعلنت الطوارئ، وتوقفت الرحلات. وقال الشيخ بن حميد: «كم يجثو على أرض المطارات من الطائرات، وكم يقف في المحطات من قطارات، مخلوق صغير لم تعجزه الدول الكبرى، ولم توقفه الأمم العظمى، يرهبهم العطاس، ويبعثرهم السعال، كل يبحث عنالنجاة، مخلوق صغير لا يرى بالعين المجردة، جاء ليوقظ من غفلة، وليكشف العجز، ويبرز الضعف، وليدل على الواحد القهار القادر الجبار، ذي العزة والجلال لا إله إلا هو، أوقف العالم، ولم يقعده، وشل أركان الدول، وعثا في الأمم، ارتعد أمامه الأقوياء، واضطربت من جرائه الدول، واهتزت له منصات العالم، أسمع صرير أقلام الكتاب، والفلاسفة، والمحللين، لا عظيم إلا المهيمن الجبار، ولا قوي إلا الله الواحد القهار، جائحة اضطربت فيها أحوال دول، ومجتمعات، وأسر، وأفرادٍ وتغيرت فيه برامج، وأغلقت مدارس، ومساجد، وبيع، وصوامع، وجامعات، وأقفلت الحوانيت، والأسواق، والملاعب، وهز اقتصاد العالم، فعز ذليل، وذل عزيز، يرسم معالم الموت، ويكتب مشاهد الوفاة، ويعلن مراسم الحداد، ويلغي مواسم الأفراح، هذه هي الجائحة في حقيقتها، وابتلاءاتها، وآثارها. الله أكبر، تفرد في ملكه بالقوة القاهرة، ووعد المحسنين بالفوز في الآخرة، فيابشرى الموعود بما وعد» . وتابع معاليه قائلاً: أيها الإخوة: أما دروس هذه الجائحة وعبرها، فحدث عن الجائحة ولا حرج، من هذه الدروس -عباد الله-: درس الابتلاء، فالبلاء مع الصبر يقوي القلب، ويمحو الذنب، ويقطع العُجْب، ويُذْهِب الكِبر، ويذيب الغفلة، ويحيي الذكر، ويستجلب دعاء الصالحين، ويوقظ من الركون إلى الدنيا، ويحصِّل رقة القلب، والاستسلام للواحد القهار. وبين أن في الابتلاء يراجع العبد علاقته بربه، وصدقَه في الالتجاء إليه وحده، وحسن توكله عليه، وقطعَ كل أسباب التعلق بغيره، وفي الحديث: «لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله حتى يلقى الله، وما عليه خطيئة»، رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ويقول الحافظ بن القيم رحمه الله: «فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن، والابتلاء لطغوا، وبغوا، وعتوا». الله أكبر كبيرًا كما أمر، والله أكبر إرغامًا لمن جحد به وكفر، والحمد لله ما اتصلت عينه بنظر، وأذن بخبر.
وأكد الدكتور صالح بن حميد أن ومن دروس هذه النازلة: التبتل في العبادة، وإحسان الوقوف بين يدي الله، فقد كان الإمام مسروق بن الأجدع التابعي الجليل -رحمه الله- يمكث في بيته أيام الطاعون ويقول: «أيام تشاغل فأحب أن أخلو للعبادة»، وأصدق من ذلك وأبلغ قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ». وقال معاليه: يا عبدالله هاجر إلى الله وإلى رسوله بقلبك وعبادتك، سبح بحمد ربك، وَصَلِّ، وتصدق، وصم، واعمل صالحًا، والزم بيتك، وعليك بخاصة نفسك، تحفظ نفسك، وتحفظ غيرك، آيات التخويف إذا تعامل معها العبد التعامل الشرعي عظم أجره، واطمأن قلبه، وزاد إيمانه، وعظم ثباته، يقول النعمان بن بشير رضي الله عنه: «إن الهلكة كل الهلكة لمن يعمل بالسيئات وقت البلاء». وواصل معاليه يقول أيها المسلمون: ومن دروس هذه الجائحة: التباعد الاجتماعي، هذا التباعد، وهو تقارب، محطة هادئة جميلة: الحمد لله: اجتماع مختصر مع الأحبة، مع الآباء، والأمهات، والأزواج، والأولاد، والإخوة، والأخوات، لم تشردوا من الأوطان، ولم تسكنوا الخيام، ولم ينقص الطعام، تملكون الصحة والعافية، واجتماع شمل الأسرة، ترممت العلاقات البشرية الاجتماعية التي خلخلها الانشغال برغبات النفس في رحلات وحفلات، واستسلام للمشتهيات والرغبات، والمشتريات، بل أغلقت المتاجر لتعود العائلة إلى بيتها، وتقضي كل يومها في كنفه ودفئه، فصارت تأكل في البيت، وتتعلم في البيت، وتصلي في البيت، فتوثقت العلاقة، وبرزت الحميمية، تعلموا كيف يتسوقون عن بُعد، وتعلموا عن بعد، بل ويترافعون إلى المحاكم عن بعد، وينجزون معاملاتهم العامةَ والخاصةَ عن بعد، ويتسلون عن بعد، بل يصدرون قراراتهم الكبرى عن بعد، وما كان يحتاج أياماً وأسابيع صار يقضى في ساعات ودقائق، تعلمت الأسرة كيف توفر الكثير من مدخراتها ومدخولاتها، اعتمدت على البيت، وباشرت العمل بنفسها، أقامت مناسباتها من غير قصور ولا قاعات، ومن غير هدر للأموال والأوقات، في مراجعة لسياسيات الإنفاق الأسري، وعادات الإسراف، وطرائق التواصل الاجتماعي، والتكافل الإيجابي، والموازنة بين الضروريات، والحاجيات، والكماليات، وقبل ذلك وبعده التفطن العظيم لنعمة الأمن، والصحة، والفراغ، وحرية الحركة، والتنقل، والاجتماع، وإدراك العقلاء أن الاقتصار على أساسيات الحياة والاكتفاء الذاتي من أعظم أسباب التغلب على كثير من نوازل الحياة وتقلباتهاوهامشياتها. وأضاف معاشر الإخوة: ومن دروس هذه الجائحة العجيبة: (صلوا في رحالكم)، (صلوا في بيوتكم)، إن الذي أمر بقوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح في الأحوال المعتادة، هو الذي أمر بقوله: (صلوا في بيوتكم)، (صلوا في رحالكم) في أحوال النوازل، (صلوا في رحالكم) رمز عظيم لإبراز مكانة الإنسان، وتجسيد حقوق الإنسان في هذا الدين، إنه إيقاف لصلاة الجمعة والجماعة، والتي هي من أعظم المطلوبات والقربات، كل ذلك من أجل الحفاظ على صحة الإنسان، إنه من أبرز تجليات الرحمة الربانية بهذا الإنسان، أي رحمة أعظم من أن يشرع هذا الدين ترك الجمعة والجماعة ليصلي في البيت حفاظًا على صحته. الله أكبر، إن الركن الأعظم والبناء الأهم في الإسلام هو الإنسان، وحياته، وصحته، الله أكبر، عنت الوجوه لعظمته، والله أكبر، أجرى المقادير بحكمته.
وأردف إمام وخطيب المسجد الحرام يقول أيها المسلمون: ومن دروس هذا المخلوق الصغير: أنه فضح فلسفة المادية القاسية التي لا ترى الإنسان إلا عبدًا يدير عجلات الاقتصاد، ويحرك آلات المصانع، تحافظ على صحته ليبقى قويًا متمكنًا من إدارة هذه العجلات وتحريك هذه الآلات، ولما احتاج هذا الإنسان إليها في صحته تخلت عنه وتنكرت له، المشكلة ليست في الأوبئة، ولا في الحروب، ولا في الأوقات، بل هي في الأخلاق، والمبادئ، وحفظ حق الإنسان، حفظًا حقيقيًا في عدل، وصدق، ورحمة. هذه المادية الجافة تركت المسنين، والضعفاء، والمرضى لمصيرهم، أما ديننا فيقول نبيه صلى الله عليه وسلم: «إنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائكم»، متفق عليه. هذه الجائحة وهذه الداء كشفت عن الدول الصارمة الحازمة التي أخذت بالأسباب، وحفظت - بإذن الله - أنفسها وشعوبها، وتعاملت مع سنن الله، بينما تقاعست دول وتثاقلت حتى أخذ منها هذا الداء ما أخذ. الله أكبر ما تعاقبت الأهلة هلال بعد هلال، والله أكبر، رب رمضان ورب شوال.
ومضى معاليه يقول معاشر الأحبة: وتأتي هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية لتصنع قرارات تاريخية، وتضع رؤية ثاقبة، تضع صحة من يعيش على هذه الأرض الطاهرة من مواطن ومقيم في ميزان ديني، وبعد إنساني، فجندت كل القطاعات، واستنفرت كل الطاقات على مدار الساعة - مستعينة بالله ثم برجالها وإمكاناتها - لمواجهة كل الاحتمالات، فلقد منح الله -بمنه وفضله- هذه الدولة الحكمة وحسن التصرف، فجندت كل طرائق الوقاية، ووفرت كل سبل العلاج، وهيأت أسباب الراحة، والطمأنينة، والعيش الكريم، في كل الاتجاهات، وللجميع دون استثناء، لا بد في هذا المقام من - كلمة تقدير وشكر وعرفان لهؤلاء: الأبطال المرابطين من رجال الأمن، ورجال الصحة، والخدمات الاجتماعية، والعلماء، والدعاة، ومن يعمل معهم، وأعانهم، وأيدهم، ودعا لهم، هؤلاء جميعاً الذين يعيشون للمجتمع، ومن أجل المجتمع، في ظل هذه الدولة المباركة، وتحت توجيهاتها وتعليماتها، ووقفة تقدير لهذه الخدمات الكبرى التي تقدمها كل الجهات المتخصصة في الدولة عناية طبية فائقة، وتسهيلات لمتطلبات المعيشة عالية.
وأكد الشيخ صالح بن حميد أنه برز في هذه الدروس: حسنُ مبدأ السمع والطاعة لولاة الأمور، وعَظِمُ أثره في: الرضا، والطمأنينة، والاستقرار، وبروز جهود الدولة المباركة، وحسن رعايتها لمن يقيم على أراضيها، ومشاركة ذوي اليسار كل بما هو من طبيعة عمله واختصاصه واهتمامه: من مال، ومرافق من فنادق، ومستشفيات، ومساكن وغيرها، جُعِلَتْ كلُّها تحت تصرف الدولة، نماذج مشرفة من البذل والعطاء والدعم الظاهر لقرارات الدولة، والتزامها، وخدمة الناس، فاهنؤوا بعيدكم، واستبشروا بفضل الله عليكم {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}. الله أكبر، استوى على العرش بقدرته، والحمد لله زاد المؤمنين تواضعًا بعزته. وبين معاليه أن النجاة والنجاح في هذا الابتلاء هو في حفظ مكتسبات المحن، وهي مكتسبات منها ما هو في جنب الله وجنابه عز شأنه من الرضا، والصبر، وحسن التوكل، والرجوع إليه، والتعلق به، ولزوم طاعته سبحانه: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. فتكون الرحمة، والصبر، والهدى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. وأبان معاليه أن من المكتسبات التجاوب مع التعليمات، والتعاون مع الجهات ليكون المسلم على مستوى المسؤولية في الثقافة، والسلوك، والالتزام بالأنظمة، والابتعاد عن الشائعات، وتقدير إجراءات الدولة وقراراتها، الغمة ستنكشف -بإذن الله- ولكن ماذا بعد؟؟، الناجي من هذا الوباء هو من فهم الرسالة وسارع إلى التوبة، وأعاد ترتيب حياته وأولياته، الناجي من أدرك أن الأمان ليس في مال يكنز، ولا منصب يرتقى، الأمان هو رضى الله، وحسن الخاتمة، والاستعداد للرحيل. هذا البلاء جاء ليربي ويصلح من السلوكيات الخاطئة، الابتلاءات إذا توالت تولًّت، وإذا حلت اضمحلَّت، فهي في غالبها للتهذيب لا للتعذيب.
وقال معاليه في خطبته الثانية: عباد الله: عجيب أمر البشر، من دروس هذا البلاء أن أصبح أقصى أماني الناس أن يعودوا إلى حياتهم السابقة، التي كانوا غافلين عن جمالها، ووفائها، أدركوا معنى الحديث: «من بات آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، يقول الحافظ بن رجب رحمه الله: «من لطائف اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أكثر الأسباب التي تطلب بها الحوائج، فإن الله يكفي من توكل عليه: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}. وأضاف الشيخ بن حميد يقول: يا عبدالله: احفظ نفسك، ووقتك، واستغفر لذنبك، وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار، والغدو والآصال، لا تكثر من تناقل الأخبار، ولا تشتغل بتقليب التغريدات، فالعمر بين ذلك يضيع، والنفع من ذلك قليل، انكشفت معادن الناس، فمنهم المتوكل، ومنهم المتواكل، وفيهم المتشائم، وفيهم المتفائل. عرفتم قيمة الصحة والعافية، كما عرفتم مكان دولتكم، ورجالها، رجال الأمن، والصحة، والخدمات. ودعا معاليه المسلمين بالابتهاج بالعيد، فعيدكم مبارك وتقبل الله طاعتكم، ابتسموا وابتهجوا، وانشروا السرور والبهجة في أنفسكم وأهليكم وإخوانكم، العيد والتهنئة لمن يزرع البسمة على شفاه المحتاجين، ويدخل السرور على المرضى والمكلومين. وأكد أن العيد مناسبة كريمة لتصافي القلوب، ومصالحة النفوس، مناسبة لغسل أدران الحقد والحسد، وإزالة أسباب العداوة والبغضاء، وإن في مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات التي ينشئها الأقارب والأصدقاء وذوو الاهتمام والمتابعات في هذه المواقع طرائقَ حسنة، وأبواباً متسعة للكلام الطيب، وإدخال السرور، وحسن الحديث، ولطيف المتابعة، ورقيق السؤال، وتبادل عبارات المرح المباح، العيد عيد فرح وسرور لمن طابت سريرته، وخلصت نيته، وحسن للناس خلقه، ولأن في الخطاب كلامه، بهجة العيد تجدونها في رضا الأب، ورضا الأم، وحب الأخ، وحب الأخت، وصلة الرحم، وإطعام المسكين، وكسوة العاري، وتأمين الخائف، ورفع المظلمة، وكفالة اليتيم، ومساعدة المريض، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء. وختم معالي الشيخ صالح بن حيد بالقول: التمسوا بهجة العيد في رضا ربكم، والإقلاع عن ذنبكم، ومن مظاهر الإحسان بعد رمضان استدامة العبد على نهج الطاعة والاستقامة وإتباع الحسنة الحسنة، وقد ندبكم نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم لأن تتبعوا رمضان بست من شوال فمن فعل فكأنما صام الدهر كله. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات والأعمال الصالحات.
وفي المدينة المنورة، أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان المسلمين بتقوى الله عز وجل، مهنئاً بعيد الفطر المبارك. وقال: «إن شهر رمضان قد انقضى وأقبلت أيام عيد الفطر، فهنيئاً لمن وفقه الله للتوبة، فأبواب التوبة لم تغلق بعد رمضان، وأن الله تعالى يقبل التوبة في كل زمان ومكان قال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. وأضح فضيلته أن من علامات قبول الأعمال تغير الأحوال إلى أحسن حال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها)، مشيراً إلى ان من شعائر الإسلام وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إظهار الفرح بالعيد بين المسلمين وإظهار البهجة والسرور والسعادة وتبادل التهنئة بالعيد. وعدَّ الشيخ البعيجان العيد فرصة جليلة للصفح والمسامحة مستشهداً بقول الله تعالى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}، وقال {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، داعياً إلى التخلص من الأحقاد والضغائن والمسارعة إلى مغفرة الله تعالى. وقال فضيلته: «إن اليوم يوم بر وإحسان ويوم صلة ومودة، فصلوا من قطعكم واعطوا من حرمكم واعفو عن من ظلمكم، حاثاً على الرحمة بالصغار وتوقير الكبير والعطف على الفقراء بإدخال السرور والأفراح وتفريج الهموم والكربات والإصلاح بين الناس، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تفتح أبواب الجنة كل يوم اثنين وخميس فيغفر في ذلك اليومين لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا إلا من بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا). وأضاف أن على المسلم أن يوطن نفسه على سلامة الصدر والقلب مع تجديد علاقة الألفة والمحبة، وأن الناس إخوة لأب وأم لآدم وحواء، وأن الشيطان قد يفرق بينهم ويكدر صفو الإخاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسَدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعضٍ،وكونوا -عباد الله- إخوانًا، المسلم أخو المسلم: لا يظلِمه، ولا يخذُله، ولا يكذِبه، ولا يحقِره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مراتٍ - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضه). ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين إلى الوفاء بالعقود والمعاملات الحقوقية ورد الحقوق إلى أهلها وأداء الأمانات، ففي الحديث عن أَبي هُرَيْرَة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ)، محذراً من الوقوع في الشبهات ففي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ). وبين فضيلته أن الله تعالى عدل بين الرجل والمرأة في شرعه وساوى بينهما في الخطاب والتشريف، وأن الإسلام دافع عن المرأة ورفع منزلتها وأمر بإكرامها وحمايتها وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء بقوله (ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم)، مؤكداً أن دور المرأة كما هو دور الرجل في بث الألفة والمحبة.