م. بدر بن ناصر الحمدان
يمرّ عيد هذا العام على المدن السعودية، دونما أية مظاهر في فضاءاتها الخارجية التي أعتاد الناس على ممارستها في مثل هذه المناسبة، وذلك نظراً لقرار منع التجوّل الكامل ضمن احترازات الصحة العامة لفايروس «كورونا «، حيث سيكون الاحتفال بالعيد في هذه النسخة الاستثنائية داخل المنزل وبين أفراد الأسرة الواحدة، وبأسلوب مختلف عما كان عليه في الأعوام السابقة.
قد تكون هذه التجربة الظرفية فرصة كبيرة لمراجعة أنماط وسياسات الاحتفالات والأنشطة التقليدية السائدة في كثير من المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة وحتى القرى والهجر، ومناقشة دور «الوظائف الحضرية» لهذه المدن والتجمعات العمرانية المرتبطة بها، وكيف يمكن منهجتها وتنظيمها واستثمارها ضمن إطار «مؤسسي» مستمر، لتتحول إلى نتيجة طبيعية لمكونات كل مدينة على مدى سنة مضت، لا أن تكون فعاليات العيد أشبه بحدث مفاجئ يستلزم الاستنفار من أجل تنظيمه مع قدوم كل مناسبة عيد، وكأننا نبدأ من جديد في كل مرّة، هذا أمر مُرهق ومكلف جداً على مستوى تشغيل المدن.
ما يجدر الإشارة إليه، أن «الإبهار» وحده لم يعد كافياً ولا مؤثراً في مجتمع أفراده أصبحت لديهم الخبرة والتجربة، وجابوا أغلب دول العالم، وتعرفوا على ثقافات الشعوب، وحضروا أهم الأحداث العالمية، ويمتلكون خلفية كبيرة عن كيف تكون صناعة الحدث، الأمر اليوم مختلف تماماً، هناك تحد كبير جداً أمام إشباع ذائقة هؤلاء السكان، بتقديم منتج يحقق معاييرهم ويوائم مقاييسهم الجديدة.
أنا هنا لا أتحدث عن تنظيم حدث أو فعالية وقتية، فمثل هذه لها برامجها ومساراته ومواسمها القائمة والمعتمدة والتي تفي بذلك، بل أتحدث عن تركيبة وظائف المدينة نفسها وتفعيلها طوال العام كمنظومة متكاملة، وكجزء رئيس من مهام إدارتها وأحد المكونات الطبيعية لنمط وأسلوب حياة سكانها للاستجابة إلى احتياجاتهم اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية، وألا تقتصر على موعد سنوي أحادي الوظيفة، ويكون ما تبقى من الأيام مساحة رمادية.
لو نجحت المدن بمختلف أجهزتها الحكومية والخاصة في الإعلان عن أجندتها الدائمة مع بداية كل عام، حتماً سوف يكون ذلك سبباً رئيساً في رفع جودة الحياة داخل هذه المدن، وبما ينعكس في نهاية المطاف على مساهمتها في تغذية الأحداث الموسمية، وإذا ما تحقق ذلك فستكون قد ساهمت في إنجاز أكثر من 50% من متطلبات الفعاليات الموسمية الرئيسة، والتي ستتحول بشكل تلقائي مع مرور الزمن إلى وعاء حاضن لنتائج تلك الوظائف وفق أجندة منظمة ومبرمجة بشكل دورّي، ونكون هنا قد استطعنا إحداث نقلة نوعية في عقلية إدارة الحياة في المدن السعودية بمختلف أحجامها.
يبقى أن نقول: إن أجمل مظاهر العيد في هذه الظروف، هي في منزلكم وبين أفراد أسرتكم، وكل عام وأنتم بخير.