إيمان حمود الشمري
كلما مررت بمستشفى الأمراض النفسية مصادفة يشرد خيالي بعيداً، أشفق على المرضى وأتساءل: تُرى ما الظروف التي أجبرتهم على دخول المستشفى ولكنني أقول لنفسي بمجرد دخولهم لهذا المشفى هم اتخذوا أول الطريق الصحيح للعلاج، ولكن المفارقة التي تحدث معي عندما يجمعني مجلس أو مكان عمل بشخصيات غير سوية من مختلف الطبقات أجد أن المرضى النفسيين خارج المستشفى أكثر بكثير من الذين خلف أسوارها، هم لا يعلمون أساساً أنهم مرضى نفسيون بجشعهم وكذبهم وعنفهم مع بعضهم وحقدهم غير المبرر، حتى التنافس فقد مفهومه الصحيح وأصبح مرضاً بدلاً من أن يكون حافزاً لأن غايات التنافس تغيرت. ليس التنافس الذي تغير وإنما نفسيات الناس التي تغيرت!!
ولكن لماذا نتغير وهل حقاً نحن نتغير أم أننا نعود لمعدننا الحقيقي؟ لماذا نتغير تجاه منصب معين، أو في حضرة شخص معين؟ لماذا لا نكون أنفسنا فحسب، هل نحتاج كل هذا العبء لنكون على طبيعتنا. نخجل من بساطتنا وتلقائيتنا، يربكنا مدير ويقلصنا مسؤول ويهزمنا ثراء لا نملكه، الخلل ليس في الظروف وإنما فينا في تقبلنا لشخصنا وظروفنا، وصلنا لمرحلة مؤسفة ومتقدمة من المرض، نحن نتغير لأننا لا نحترم أنفسنا ولا نراها إلا بعد منصب أو ثراء مفاجىء أوشهرة، لذا نتعامل بخنوع مع من فوقنا وبازدراء لمن هم أقل منا، لأن لدينا خللا في مفهوم الاحترام، ليتنا نعلم أننا لا نسيء لأحد بهذا التعامل سوى لأنفسنا وكأننا لا قيمة لنا أو لغيرنا إلا بلقب معين. أي أمراض تلك التي تحاصرنا وتجعلنا نناقض أنفسنا ونقلل من شأنها ونحن مقتنعون بأن مانفعله هو الصواب؟ أكاد أجد الشخصيات السوية نادرة في تمثيل نفسها، وأخشى أن تنقرض هذه النوعية لذا نحن بحاجة (لمحمية بشرية) لنحافظ فيها على هذا النوع النادر من الشخصيات!! أشتاق لأشخاص حقيقيين وأشعر بالغربة والوحدة بين الناس، مصطنعين ويكاد يخنقنا هذا التصنع الذي اعتدنا عليه دون أن نشعر، ولو فتحت المستشفى أبوابها لهذا الكم من المرضى النفسيين لما استطاعت أن تستوعب كل هذه الحالات بمختلف طبقاتها العلمية والاجتماعية، حالات لا يردعها مؤهل علمي ولا مستوى اجتماعي ولا سلوك أخلاقي، فمن يحتاج لمشفى نفسي من هم وراء أسوار المستشفيات أم من هم خلفها؟