منذ أزمنة مديدة، اختلط طين الأرض مع الماء فكونا عمارة طينية خلقت قصورًا وقلاعًا.
أقواس وقباب فاق عمرها 4000 عام، شيدت من طين الوديان، فشكلت لنا حضارات متنوعة في مختلف بقاع الأرض صمدت أمام تغيرات الزمن، وارتبطت اليوم بالتاريخ وقصص الأثر والتراث الموروث. تحكي جبال العرب أن صخورا شهدت أفراحًا ومناسبات، لقبائل شيدت بيوتها من الطبيعة، فأظهرتها بأبهى حلة بأشكال الصخور التي تتراوح ألوانها ما بين الأخضر والرمادي، والأحمر إلى البني. وبعد رياح الحداثة العارمة، استبدلت الحياة الطبيعية إلى مصّنعة، وبسبب سرعة استيراد المواد الحديثة والتطور المتسارع لمواد البناء التجارية، تغير البناء بما يناسب الزمان وليس المكان. وعلى الرغم من أن العديد من المباني التي شيدت قديماً صمدت أمام اختبار الزمن، إلا أنه اختفى تشييد تلك المباني المبنية من المواد الطبيعية بالكامل خلال القرن العشرين. في نظر الأغلبية تعد المباني التي شيدت من مواد الطبيعة إلى وقت قريب بدائية، وعلى الرغم من كون المواد الحديثة باهظة الثمن نسبيًا، ولا توفر عزلاً حراريًا أو صوتيًا، إلا أن المجتمع فضّلها؛ لسرعة تشييدها على الرغم من كثرة العيوب، وعدم صمودها لأكثر من عشرين عاماً دون تأثر بالظروف المناخية.
إن التغييرات الزمنية المتسارعة أدت إلى اختفاء مهارات وحرفة البناء الطبيعي من قبل الحرفيين الذين توارثوا المعرفة من آبائهم وأجدادهم، فأصبحت الحرفة نادرة، بل تراثاً قديماً.
يعد الطين من مواد البناء التقليدية التي تتميز بالمرونة، كما أنه يوفر عزلاً للبناء أفضل من الهياكل المصنوعة من الحديد والخرسانة، ولكن من أكثر المشاكل المرتبطة بالطين كمادة خام للبناء وأخطرها هو ضعفه أمام الماء، فالطين لديه قوة شد منخفضة ويتفكك بسهولة.
يستخدم البناء بالطين في المناخات شديدة الجفاف، لذلك نجد المباني في الدرعية صامدة إلى اليوم.
أما في جنوب المملكة العربية السعودية، فمن الصعب صمود مباني الطين في المناخات الموسمية بسبب الأمطار والسيول؛ لذلك خلق الأولون مدرجات من الحجر تغطي البناء الطيني لحماية جدرانه من المطر، فتحافظ عليه من التفكك وتجعله أكثر تماسكاً.
وقد تعدّدت أساليب بناء الأسقف في المباني الطينية القديمة، فاستخدمت عوارض الخشب أو حزم القش أو الأسقف المائلة؛ للحفاظ على تماسك أسطح المباني وحمايتها من تأثير الأمطار.
إن إعادة تأهيل المناطق الحضرية وفق مبادئ التنمية المستدامة يعد توجهاً عالمياً في زمننا الحالي، فالتفكير في قضايا المناخ وتضاريس المناطق بتقنيات معاصرة هو تعريف وتوجه العمارة المستدامة، فالتنمية المستدامة هي عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات معاً.
تعتبر المواد والتكنولوجيا التي تتكون منها الأرض تحت أقدامنا، من أكثر المواد الصديقة للبيئة من بين جميع المواد.
فتغليف الجدران من مصادر محلية، وتشييدها بمزيج من الأسمنت والتربة والركام الخشن المعاد تدويره من أجل التماسك والقوة، واستخدام التسليح للأسقف وجدران التقسيم الداخلية يحل مشكلة خصائص الطين في البناء. إن تطور التقنيات هو الحلقة المفقودة للاستدامة.
«عليك فقط أن تنظر من الخلف، للذهاب إلى أبعد من ذلك في النظر».
بالعودة إلى القديم سنستطيع تقديم تقنيات بديلة للنمو المستدام من أجل التقدم الحضري نحو الاقتصاد الأخضر الشامل؛ للحفاظ على التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
فالطفرة التكنولوجية اليوم تحتم علينا تعزيز التدابير المستدامة للموارد الطبيعية، وتشجيع الأنشطة الاقتصادية التي تقدر البيئة وتحافظ عليها.
** **
- متخصصة تأهيل قرى تراثية