د.شريف بن محمد الأتربي
مع مرور ثلاث سنوات على بيعة سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- أجد لزامًا عليّ أن أعرض جانبًا من جوانب شخصيته في مرحلة مبكرة من مراحل حياته، هي مرحلة الدراسة الأولى قبل الجامعية.
لم يكن الأمير محمد -حفظه الله- طفلاً عاديًّا في صفوف دراسته الأولية أو العليا، بل كان متميزًا في صمت، قليل الكلام إلا في المفيد منه، شغوفًا بالمعرفة، حريصًا على معرفة أدق التفاصيل في أي موضوع يعرض، سواء داخل الفصل أو خارجه. كنت بصفتي معلمًا داخل المدرسة أحاول أن أكون جاهزًا دائمًا للرد على استفساراته وتساؤلاته التي كانت غالبًا ما تفاجئني. وكيف لا تفاجئني وهو ابن سلمان بن عبد العزيز المحب للعلم والعلماء والمعرفة، الحريص على نقلها لأبنائه؛ ليتسلحوا بها في مستقبلهم إلى جانب المعارف والمهارات الدراسية.
مررتُ خلال فترة وجود الأمير محمد -حفظه الله- بالكثير من المواقف التي كانت تشير كلها إلى أن هذا الفتى سيكون ذا شأن في يوم من الأيام، منها ما كان داخل القاعات الدراسية، ومنها ما كان خارجها. لقد كانت السمات الشخصية والقيادية التي يتمتع بها الأمير محمد في مراحله المبكرة داعية إلى التفكر في مستقبل هذا الفتى؛ فهو هادئ جدًّا، لا يُظهر ضيقه في أي موقف دراسي تعليمي أو تربوي، حاد جدًّا إذا انتُهكت حرمة من الحرمات أو أُسيء إلى شخص ما خاصة إذا كان ضعيفًا لا يستطيع أن يسترد حقه، سريع الخطى، يتقدم كل مَن يسير بجانبه، إذا تكلم أنصت مَن حوله بما يقوله ويسرده من أحداث، ربما يعجز - في هذه الفترة العمرية - مَن يفوقه سنًّا وعلمًا أن يأتي بمثلها. شديد الاحترام للآخرين، سواء على مستوى المحيطين به من الأصدقاء أو أفراد العائلة، أو على مستوى المجتمع كله. محبٌّ للخير، داعٍ له، لم يعلم بأحد في نازلة أو حاجة إلا قضاها له في صمت دون الإشادة أو الإشارة إليها.
وكَبُر الأمير وتخرج من المرحلة الثانوية، وانتظم في الجامعة؛ لتقل اللقاءات بعض الشيء، حتى إذا عُيّن مستشارًا خاصًّا للأمير سلمان آنذاك في إمارة الرياض زرته في مكتبه مهنئًا؛ فكان سؤاله الأول لي: ألك حاجة؟ فشكرته، فقال لي بوجود منسوبي مكتبه: إن بغيت شيئًا باب منزلي ومكتبي مفتوح لكم، أنتم أساتذتنا الأجلاء في أي وقت تأمرون أمرًا، وما قدمنا لكم لا يوفيكم أجركم.
وقد كان لي شرف الكتابة عن الأمير محمد مبكرًا في جريدتنا الجزيرة، وأشرت من خلال المقال إلى أن هذا الفتى سيغير في التاريخ؛ لتمر الأيام سريعة جدًّا كأنها لمح البصر، ويتحقق حدسي، ويتبوأ الأمير سدرة المناصب في مملكتنا الغالية، وفي عهد الملك سلمان؛ ليبدأ فصلاً جديدًا من فصول رواية التاريخ، سواء على المستوى المحلي، أو على المستوى الإقليمي، أو العربي والعالمي.
منذ عُيّن سمو سيدي وليًّا لولي العهد، ومن بعده وليًّا للعهد، والأحداث كلها تمرُّ سريعًا، والمتغيرات التي أحدثها لم يتمكن المؤرخون حتى الآن من تسجيلها وجمعها وتحليها، واستخراج الدروس المستفادة منها، ولربما احتاج العالم لعشرات السنين حتى يتمكن كاتبو التاريخ ومحللوه من صياغة هذه الحقبة بشفافية وصدق، يعبّران من خلالها عن كيف غيّر الأمير محمد بن سلمان خلال سنوات قليلة من وجه العالم كله، ومن وجهة نظر العالم كله في مملكتنا الغالية، وأصبحت المملكة بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين القاسم المشترك لكل حدث عالمي وكل اجتماع ولقاء، بل في أحلك اللحظات لا يجد العالم سوى المملكة العربية السعودية ليلجأ إليها لإحداث أمر ما. ولعل أقرب هذه الأحداث أزمة البترول، وأزمة فيروس كورونا.
وعلى الصعيد الداخلي اكتب ما شئت؛ فلن ينتهي الكلام، ولن تكفي الصفحات عن الإشادة بما حققته المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية من إنجازات داخلية، شملت جميع جوانب الحياة في المملكة، بداية من رؤية 2030 التي تعتبر المرشد الرئيسي لجميع الخطوات التي يعمل من خلالها المسؤولون؛ إذ تتوحد الأهداف، وتتوقع النتائج. إلى جانب تطوير البنية التحتية، وأتمتة الخدمات، وتوطين الوظائف، وتمهير الطلاب والموظفين، وفتح السوق المحلية أمام المستثمرين من خلال حزمة من المحفزات، أبرزها الإقامة المتميزة.
وإذا أردت الحديث عن التغير في الحالة الاجتماعية للمملكة خلال هذه السنين قليلة العدد، عظيمة الأثر، فاكتب، ثم اكتب، ولن تنتهي من الكتابة أبدًا، فما إن تشارف على النهاية حتى تجد نفسك قد بدأت من جديد تدون حدثًا عظيمًا، يغيّر من وجه الحياة الاجتماعية التي اعتاد الكثيرون على وصمها بالتشدد والعنف، خاصة ضد المرأة؛ لتجدهن الآن شريكات في العمل، بل قائدات في كل المجالات. ولعل الدبلوماسية السعودية خير دليل على ذلك بوجود الأميرة ريما بنت بندر على رأس سفراء خادم الحرمين الشريفين إلى الخارج.
هذا إلى جانب تمكين المرأة في كثير من الحقوق، كالسفر والأحوال والقضاء والقيادة وغيرها. وعلى جانب الترفيه لم يعد المواطن مجبرًا على السفر للخارج لحضور فعالية ترفيهية معينة؛ إذ قامت هيئة الترفيه بإحداث نقلة نوعية، قفزت بها مئات السنين للأمام؛ لنجد مواسم المملكة، منها موسم الرياض، وقد أصبحت حديث العالم كله بما قدمته من فعاليات يصعب على أي دولة أن تجمعها كلها في مكان واحد، وفي وقت واحد.
وفي الرياض كان دوري الأمير محمد بن سلمان للمحترفين MBS واجهة لكثير من لاعبي العالم المتميزين الذين نثروا إبداعاتهم على أرضية ملاعب المملكة المختلفة؛ ليستمتع بها جميع أبناء المملكة، خاصة الأسر التي أصبحت ضيفًا دائمًا في المدرجات.
إن مقالاً واحدًا لا يكفي لأن أسطر فيه مآثر سمو سيدي ولي العهد وأعماله التي أحدثت دويًّا على جميع الأصعدة، وشهد لها القاصي والداني، وأخرصت أبواق الشر المحيطة بالمملكة المنتظرة لأي حدث أو هفوة لتجعل منها مصيبة تولول به على قنواتها وصحفها ووسائلها المشبوهة.
وفي هذه المناسبة السعيدة علينا جمعيًا أن نجدد البيعة لكم سادتنا وحكامنا على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر، وفي المنشط والمكره.
وفي الختام أسأل الله العلي العظيم أن يمد سمو سيدي ولي العهد -حفظه الله- بعونه وتوفيقه الدائمين، وأن يسدد خطاه وهو يتولى هذه المسؤولية العظيمة؛ ليواصل مسيرة البناء والعطاء التي تعيشها السعودية منذ تأسيسها على يد المغفور له - بإذن الله - الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- حتى هذا العهد الزاهر لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-.