حققت جائحة كورونا للعالم ما لم تتمكن عقود من المحادثات بشأن تغيرات المناخ وتأثيراتها السلبية على العالم من تحقيقه. فهناك نقص ملحوظ لأول مرة منذ عشرات السنين في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.
وبالأرقام الفعلية فإن نسبة الانخفاض بلغت حتى الآن، ونحن في منتصف عام 2020 نسبة 8 %، أي حوالي 3 مليارات طن من غاز ثاني أكسيد الكربون. هذا المعدل الذي يعتبر أكبر بكثير من معدل انخفاض الانبعاث الذي نتج عن أحدث الركود الاقتصادي التي ضربت العالم سابقاً. ففي عامي 1973 و1979 حقق الركود انخفاضاً في معدلات الانبعاث بلغ مليار طن في عام واحد، بينما أحدث الركود الاقتصادي انخفاضاً قدر بنصف مليار طن فقط.
إلا إن هذه الظروف الراهنة، والتي منحت رئة الكوكب فرصة لأن يتنفس من جديد، لن تستمر طويلاً. حيث ستعود معدلات الانبعاث إلى التزايد بمجرد أن يبدأ الاقتصاد في التعافي وتبدأ ماكينات المصانع في الدوران من جديد.
هناك عدد من الاختبارات التي أُجريت حول العالم للمقارنة بين نسب الانبعاث لثاني أكسيد الكربون حالياً وقبل انتشار الجائحة وتوقف العمل في العالم. من هذه الشركات صممت شركة Hypergiant الأمريكية، وهي شركة تعمل في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، جهازاً للمحاكاة بحيث يقارن بين نسبة انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الولايات المتحدة قبل انتشار الجائحة وخلال الفترة التي نعيشها الآن. وخرجت النتائج لتشير إلى أن كم الانخفاض في معدلات ثاني أكسيد الكربون إذا ما استمر عمل 30 % من القوى العاملة في العمل من المنزل، وهو ما يحدث حالياً بسبب انتشار الفيروس سيكون مرتفعاً جداً. كما أوضحت نتائج المحاكاة أن التحول إلى أنواع الطاقة البديلة واستخدام السيارات الكهربائية وتغيير عادات استهلاك اللحوم وتفعيل أنظمة الزراعة المتجددة وغير ذلك يمكنه أن يحدث فارقاً كبيراً في المناخ العالمي. وبشكل عام، فإن العديد من الإجراءات والتغيرات لابد من تفعيلها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تهدف للوصول إلى نسبة صفر % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم بحلول عام 2050.
لقد بدأ التحول إلى الطاقة البديلة واستبدل السيارات الكهربائية بالسيارات التقليدية فعلياً في عدد من دول العالم. بل ومن المتوقع أن تستمر أسواق العالم في العمل على هذا النحو لتحويل استثماراتها المباشرة للاعتماد على الطاقة البديلة.
من المهم الآن أن نعرف كيف يمكن العمل على تفعيل أنظمة الزراعة المتجددة وتقنيات احتواء ثاني أكسيد الكربون في داخل الأرض. وما الذي يمكننا فعله للتقليل من استهلاك المعدلات المرتفعة من اللحوم، والتقليل من تربية الحيوانات التي تستهلك كثيراً من الرقعة الزراعية مؤثرة بذلك على المناخ العالمي.
لقد أصبح استهلاك اللحوم الحمراء بهذه المعدلات الكبيرة واحدة من أهم التحديات التي تواجه المجتمع في جنوب إفريقيا حالياً. حيث تفيد الإحصاءات أن الثروة الحيوانية، خاصة الأبقار، تعتبر مسؤولة عن ما نسبته 14.5 % من انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة الأمم المتحدة.
الأمر الآخر المهم، هي أنظمة الزراعة المتجددة، والذي بدأ يأخذ حيزاً كبيراً من المخططات والإستراتيجيات حول العالم. وأهم ما يتطلبه هذا النظام هو التركيز على جودة التربة الأرضية والتخلي عن استخدام الأسمدة المصنعة والمبيدات الحشرية والمواد المعدلة وراثياً في عمليات الزراعة.
وهذا من شأنه، ليس فقط أن يحسن من خصوبة التربة، ولكن أن يحسن من تركيبة التربة نفسها، مما يزيد من كميات الكربون المختزنة في التربة الزراعية، وهو الصورة الطبيعية للكربون المختزن والضروري للتربة. حيث تؤكد جمعية الزراعة المتجددة في جنوب إفريقيا، فإن قلة الكربون الموجود في التربة مسؤول عن ما نسبته 24 % من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.
هذه الطريقة الطبيعية لحجز الكربون في التربة بعيدة كل البعد عن نماذج تخزين الكربون التي تراهن عليها قطاعات الطاقة الأخرى المعتمدة في تشغيلها على الوقود الأحفوري. حيث يتبعون في محاولاتهم للحد من تأثيرات التغير المناخي سياسة تخزين كميات الكربون المنبعثة وضغطها وحقنها في خزانات في باطن الأرض.
وبشكل عام فإن تقنيات وأساليب تخزين الكربون حول العالم يمكنها أن تحبس قرابة 90 % من انبعاثات الكربون الناتجة عن محطات الطاقة والمنشآت الصناعية الأخرى، وفقاً لمركز المناخ وحلول الطاقة. حيث تقلل هذه التقنيات نسبة 14 % من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2050.
لقد لاحظنا كيف تمكنت الطاقة البديلة في العقد الأخير من أن تثبت وجودها كمصدر للطاقة يمكن الاعتماد عليه. وكيف يمكنها أن تقدم نماذج طاقة متجددة ومستدامة بتكلفة أقل وعائد مادي مرتفع إلى حد كبير. وليس عندي شك في أن قطاعات الأعمال في العالم أجمع على دراية بهذه الإمكانيات، بل والأكثر من ذلك أن المستثمرين في قطاعات الطاقة اليوم ليس لديهم استعداد للدخول في استثمارات في مجالات الطاقة التقليدية ومشاريع الغاز الطبيعي والفحم وغيرها. وبالتالي من المتوقع أن تتحول هذه الاستثمارات إلى محطات الطاقة المتجددة والنظيفة. الأمر الذي سيعود بالفائدة على معدلات انخفاض ثاني أكسيد الكربون في الهواء.
لقد تمكن فيروس كورونا من نشر ثقافة العمل من المنزل والاستغناء عن استخدام وسائل المواصلات إلى حد كبير، وهذا سيؤدي حتماً إلى تسريع التحول عن الاقتصاد المعتمد على الوقود الأحفوري.
** **
- د. آندرو فينتر