إعداد وترجمة - محمد شاهين:
ربما فقد مايكل جوف، السياسي البريطاني المنتمي لحزب المحافظين، حسه الفكاهي؛ إذ كان من الغريب أن يطلب جوف، وهو المسؤول عن المفاوضات التجارية المتعثرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، بعض «المرونة» من الاتحاد الأوروبي في مجال التفاوض حول إجراءات الخروج. إنه لطلب غريب بالفعل، خاصة عندما يصدر من أحد المؤيدين بشدة للبريكست، الذين يسارعون بكل طاقتهم لإنهاء هذا الخروج من الاتحاد معتبرين أن السيادة الوطنية المطلقة غير قابلة للتفاوض.
صحيح أن مايكل بارنير، كبير المفاوضين الأوروبيين والمسؤول عن ملف خروج بريطانيا من الاتحاد، لديه الصلاحيات كافة، وبالرغم من إبدائه في كثير من المواقف تذمره من بطء سير المحادثات بين الطرفين، إلا أنه لا يمكنه السماح لبريطانيا بأن تملي شروطها، وأن تنتقي ما توافق عليه وما لا توافق في المحادثات الدائرة بين الطرفين.
من ناحية أخرى، يمكن لبريطانيا أن تستمر في صراخها واعتراضها على أن الاتحاد الأوروبي لم يمنحها من المميزات ما منحته بروكسل مع كندا والنرويج على سبيل المثال، إلا أن ذلك لن يعود عليها بأي فائدة في موقفها من المحادثات.
ولا يعتبر الاتحاد الأوروبي ملزمًا بأي شكل من الأشكال باتباع رغبات إحدى الدول التي قررت الانفصال عنه. فواقع الدبلوماسية الاقتصادية يفرض نفسه في النهاية.
من المعروف أن الاقتصاد الأوروبي يمثل خمسة أضعاف حجم اقتصاد بريطانيا. كما أن صادرات الاتحاد إلى المملكة المتحدة، رغم أنها مربحة، إلا أنها تمثل جزءًا صغيرًا للغاية في الناتج المحلي للاتحاد كله بالمقارنة مع الصادرات البريطانية للاتحاد.
إن التخلي عن إحدى الأسواق المهمة بهذا الشكل المفاجئ نتيجة الخروج من الاتحاد سيؤدي إلى كثير من فرص العمل الضائعة، والمزيد من معدلات البطالة المرتفعة. بينما لن تتأثر الأسواق في الاتحاد الأوروبي في المقابل بهذا الانفصال.
الحقيقة إن بريطانيا تحتاج إلى الاتحاد الأوروبي أكثر بكثير من احتياج الاتحاد الأوروبي لها.
فإذا كان البريطانيون يريدون الوصول المجاني إلى قطاع الخدمات المالية فعليهم أن يتوقعوا أن يطلب منهم الاتحاد الأوروبي شيئًا ثمينًا في المقابل. وبأخذ قيمة الاقتصاد البريطاني بعين المقارنة فسيكون من الأفضل، بل من الحكمة، أن تقبل بريطانيا بالشروط والضوابط المطروحة للخروج إلا أن لندن تبدو عنيدة، وتفضل أن تلعب اللعبة الخطرة متناسية ما صرح به مايكل جروف نفسه بأن بريطانيا سوف تتحكم بكل أوراق اللعبة في واحدة من صفقات التجارة الحرة.
إن من الضروري أن تراعي بريطانيا الفوارق الموجودة بين كلا الاقتصادين، عندما تقرر تحديث جدول تعريفات الجمارك والضرائب الجديد مثلاً. وربما يكون الخبر الجيد بالنسبة للمستهلك البريطاني أن السلع كافة ستكون أرخص إلى حد ما بسبب إلغاء بعض التعرفات الجمركية المطبقة حاليًا بسبب عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
نتحدث هنا عن سلع، مثل سيارات تيسلا وفورد وموستنج.. بينما ستصبح سيارات الرينو والفولكس واجن أكثر ندرة في الأسواق البريطانية. في النهاية نحن نتحدث عن سلع ليست أساسية وليست مهمة لأغلب فئات الشعب.
أما ما يعتبر أكثر أهمية فهو التأثير القوي الذي سيحدث من جراء تطبيق الاتحاد الأوروبي تعريفاته الجمركية وإجراءاته الصارمة، والوقوف المتعمد والصريح أمام التجارة مع بريطانيا فيما يتعلق بالسلع والخدمات. مثل هذه الإجراءات يمكنها أن تمحو عددًا من القطاعات الاقتصادية البريطانية كلية. كثير من البضائع والسلع التي ستتأثر كثيرًا، مثل قطاعات الأغذية وتربية المواشي وصناعة السيارات والأدوية، وكثير من الخدمات المالية والبنكية كذلك.
وعندما تتكدس الأسماك في الموانئ البريطانية فسوف تُفاجَأ بأن كل هذه الأسواق الأوروبية قد أغلقت أبوابها.
في النهاية، إن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تزيد وأن تعمق آثار الركود الاقتصادي الموجود بالفعل. وحين يتم تنفيذ قرار الانفصال عن الاتحاد بالفعل فسوف يصبح البريطانيون أكثر فقرًا، وأضعف من أن يتحملوا عواقب الخروج. ولا أعتقد أن هذا هو ما صوّت عليه الشعب منذ أربعة أعوام مضت.