رواية لم يسعفها الحظ أن تفوز بجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع مع عناية صاحبها بها ولكنها صمدت ضمن المرشحين الأوائل، وهذه علامة للتميز كانت هدية رائعة تلقيتها من صاحبها المغربي الأستاذ الروائي محمد النعمة بيروك عبر شاعر جميل وهو الصديق العزيز الأستاذ عبدالله الخضير، وربما كانت الصدفة أن الرواية تتحدث عن العزلة القسرية التي لا بد من صاحبها الخضوع للقرار لأن تلك العزلة تصب في مصلحته ومصلحة مرافقيه تماماً كما نحن نفعل الآن في زمن الكورونا، ولكنّ حكايتنا نحن حقيقية بينما كانت عزلتهم كذبة كبيرة بطلتها الأم العاقر التي كانت تنظر لأعين الناس وأقربائها فترى التشفي والسخرية والشفقة من البعض لعدم إنجابها، فما كان منها إلا أن تجرأت وتجاسرت وخططت ونفذت بمباركة الزوج الذي يناصفها الحلم كأب للقيام برحلة التبني لطفلين في سنٍ صغيرة دون أن يخبراهما عن والديهما الحقيقيين، وخطف الثالث الذي كان بمنزلة المعضلة الكبيرة والذي كشف كل تلك الأكاذيب التي تسترا عليها من الجميع، وطفل القمر الذي لُقّب الابن الثالث بدر هو من حملهم جميعاً على العزلة القسرية الكاذبة، حيث إنه مخطوف وأهله يبحثون عنه بمساعدة الشرطة وأوصافه شبه واضحة لو تُرك الولد يعبث خارج المنزل، فكان داء القمر الذي يصيب بعض الأطفال يكمن علاجه في عدم تعرض المصاب لأشعة الشمس حتى لا يمنح الخطر عبوراً سهلاً لجسده وربما لأزمات قد يفقد حياته فيها فكان هذا المرض هو المنفذ المؤدي للأم كحجة للمحافظة على السر الخطير فجاهدت بكل قواها وكانت أولى النتائج أن خسرت زوجها الذي لم يطق أسلوبها وطريقتها وظلت تقتات على الكذب في كل مرة حتى أصبح البيت كله يعيش على كذبة كبيرة أنجبت كثيراً من الكذبات.
تحمل الرواية في طياتها مشكلة اجتماعية تعيشها كثير من المجتمعات تتلخص في نظرة المرأة العاقر للعذاب الممض في أعين الناس وخاصة الأقارب الذين ترى في أعينهم سهاماً مسمومة قابلة للانطلاق في أي لحظة أو تلك الشفقة التي تكوي ما تبقّى من العجز عن مقاومة العقم، وهذا العذاب يترتب عليه شيطنة النفس مع حجب الضمير حتى لو كان على حساب عذاب أسرة أخرى بطرق غير شرعية، ولكن الكذب لا ينجح ولا يستمر ومآله الخيبة والخسران. الرواية لا تتعدى صفحاتها المائة وستًا وثلاثين فهي خفيفة وسريعة الهضم مع تمتع المؤلف بلغة وتصرف بلاغي ينم عن موهبة جديرة بالاهتمام ومخزون لغوي متميز ممزوج ببعض المصطلحات المحلية المغربية الذي يعطيها واقعًا حقيقيًا لبيئة الرواية وليت المؤلف حين أخفى حقيقة الأمر من البداية أن يمهد للقارئ اكتشافها من خلال تسلسل حبكة الرواية بأن يومئ إلى الشخصيات بالوقوع في الأخطاء التي تجعل القارئ يخمن عن طريق وضع سيناريوهات عديدة للوصول إلى حقيقة افتراضية تكون إحداها قريبة من النهاية الواقعية غير اختفاء الأب الذي لم يكن يعني شيئاً بالنسبة للحقيقة التي هبطت على القارئ في نهاية الرواية فجأة دون سابق إنذار، وهذا إن لم يكن تسلسل الأحداث يظهر الحقيقة كواقع في بناء الرواية يكون من باب التشويق الذي هو حق للقارئ على الكاتب، عدا تلك الأخطاء المطبعية المتكررة والتي ليست للكاتب على ما أعتقد دخل إن لم تكن تمت مراجعتها من قبله قبل الطباعة.
** **
- أحمد السبيت