د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا عن الدكتور أبي عالي في الحلقة السابقة، عن شيءٍ من طموحة، ولن نفيه حقه في حلقات محدودة بحيثيات النشر، ولكن ليعذرنا والقراء الكرام المتابعون لهذه الحلقات، فنجد في سيرة الدكتور التي ذكرنا بعضاً منها الطموح اللامحدود، وهذه ميزت بعض شباب تلك المرحلة الذين شغلهم تحقيق الهدف عن غيره من مغريات النهضة، من الوظائف المرموقة والتجارة التي ازدهرت وعمت أرجاء البلاد. فقد حقق أبو عالي الدراسة التي تؤهله لدخول الجامعة بالطرق المتاحة في ذلك الوقت، وقد كان ذلك البرنامج الذي سهل على كثير من أمثاله تحقيق ما يصبون إليه، وهو الدراسة من المنازل، حيث حقق المرحلتين الأوليتين (المتوسطة والثانوية) من المنازل، وأعرف من درسوني وحصلوا على هذا المؤهل بهذه الطريقة، ومنهم الأستاذ علي الحمادي مدير مدرسة الشقيق الابتدائية، في الأحساء -رحمه الله- عندما كنت طالباً فيها، وأذكر أن أمطاراً غزيرة نزلت علينا في الأحساء واستمرت قرابة يومين ونصف يوم دون توقف، وكاد الحمادي، وزميل معه أن يغرقا في الطريق ما بين الهفوف والشقيق. وهذا المشوار العلمي الذي قطعه أبو عالي ومن مثله ممن ذكرنا، كان بدافع تحقيق أعلى درجة في التعلم. وفي هذه الحلقة سنتحدث عنه من خلال الدراسات العليا، حيث كان أبو عالي يدرس كطالب يعيش وأسرته معيشة الطلاب في جامعة أم القرى في مكة المكرمة، ولم تكن في ذلك الوقت قد أخذت هذا المسمى، فتخرج فيها سنة 1389/1969، وهذه السنة لها في مسيرة حياتي بصمة لا تُنسى، حيث كان طموحي أن أكمل الثانوية، فسجلت في ثانوية الهفوف، وهي الثانوية الوحدة في الأحساء، لكن بارقة أمل لاحت في أفق حياتي صرفتني عن ذلك، فقد كان من في سني قد أنهى الثانوية والتحق بالجامعة أو أرامكو، كانت معاهد المعلمين الثانوية قد فتحت في المملكة، وليس منها شيء في الأحساء، فالتحقت بمعهد المعلمين في الرياض، ولا أريد أن أخرج من الموضوع إلى موضوع موجود في سيرتي الذاتية، لمن أراد قراءته. عُين أبو عالي مدرساً في مكة للغة الإنجليزية كما يذكر، ولم يطل به المقام في التدريس، حيث كانت الإعادة في انتظاره فالتحق بها ليبتعث لدراسة التربية في أمريكا، وكان -حسب ما ذكر- لا يرغب في الدراسة في أمريكا، كان يفضل أن تكون في بريطانيا، وهنا اتفق معي فقد رفضت الدراسة في أمريكا مما أخرني سنة كاملة، ليس لأي شيء لكن لرغبتي في اللغة في أرضها، وكفى. ذكر أبو عالي بعض العقباتوهي ليست بالجديدة علينا جميعاً، جيل تلك المرحلة، لكنها لم تكن عقبة في طريق تحقيق الهدف، وذكر مسيرته وقد تعدى تلك الصعاب بفضل الله، وكان له بصمات ممتازة في تمثيل وطنه وأمته، بجانب العلاقات التي صنعها مع الآخرين. ومما يلفت النظر لكل متابع لجيل أبي عالي وكثير من أقرانه تجربته في الحياة التي منحته قوة اتخاذ القرارات بما يتماشى مع الظروف التي يمر بها، وخاصة عندما عُين مديراً عاماً للتعليم في المنطقة الشرقية، حيث قدم كثيراً من الخدمات لبعض القرى والهجر وهي كثيرة بطبيعة الحال، فعمم التعليم عليها، ومنح صلاحيات لبعض المسؤولين معه بكل مرونة لم تكن تعرف عمن قبله، مع تقديرنا لخدماتهم وما لمسناه من إنجازاتهم في مجال التعليم. أعرف أن مثل هذه المقالات عن هذه الشخصيات المؤثرة لن تفيها حقها فهي مقالات عابرة، لكن هذه إشارات لمن يقرأ هذه التجارب المفيدة.