انقضت فترة ليست بسيطة؛ كان الجيل الجديد يتابع فيها مسلسلات طويلة بطول العام؛ إذا لم تكن أطول! وسواء كانت إسبانية أو تركية أو هندية أو غيرها، فهي تافهة ومثيرة للاشمئزاز، حيث تُغْرِق المشاهد في تفاصيل سطحية ساذجة، وتشل تفكيره وتبعده عن المشكلات الاجتماعية الحقيقية!
كنت أتساءل بحرقة؛ ما الذي يجعل هذا الجيل يتابع بشغف تلك المسلسلات؟ هل هو تافه مثلها؟ أم هناك شيء آخر لا أفهمه؟.. فعندما تسبر غور هذا الجيل، تجده قد تلقى من التعليم والتجربة الحياتية، ما لم نحصل عليه نحن الأجيال القديمة! ولكنه نشأ في عالم الفضائيات الحديثة، ولم يعد وعيه محصوراً بقنوات محلية لا تقدم له سوى بعض المسلسلات «الهادفة» في رمضان من كل عام فقط! كما أن هذا الوعي لم يعد متقوقعاً ضمن حدود جغرافية محلية أو إقليمية ضيقة كما الأجيال القديمة، إنما يشعر بأنه جزء من العالم كله، وهناك ما يجمعه بالإسباني والتركي والهندي والأمريكي.. الخ! وخطورة هذا الأمر تكمن فيما يقدمه الإعلام العالمي المنصاع بمعظمه للإرادة الرأسمالية، التي تحرص على «إعادة تشكيل الوعي» بما يخدم مصالحها الضيقة! ولا يبقى أمام الجيل الجديد سوى ما تجود به «الرمضانيات»، كي تعيده إلى واقعه العروبي!
مشاهد «الرمضانيات» أو المسلسلات الرمضانية لهذا العام 2020 غنية ومتناقضة في نفس الوقت! إنما معظمها هادف. وذلك لأن جميع منتجي الأعمال الفنية أدركوا أن وعي الجيل الجديد يحتاج إلى إعادة إنتاج. وأن الأعمال التافهة لم يعد لها سوق وسيكون مآلها الخسارة. وإعادة إنتاج الوعي تتطلب الدخول مباشرة في عمق المشكلات الاجتماعية القائمة. أي إعادة إنتاج الأعمال الفنية ذاتها برؤية جديدة و»مُقْنِعة». فالاختيار أمام المشاهد متعدد بتعدد الفضائيات، وإن لم تحترم عقلية المشاهد، سيتركك ويختار غيرك!
في حديثه عن المسلسلات الرمضانية المعروضة على الفضائيات الناطقة بالعربية، قدم الناقد الفني المصري طارق الشناوي تقييماً شاملاً أكد فيه الاختلاف الشاسع والموضوعي لتلك المسلسلات عن السنوات السابقة. وأشار إلى أن الزمن قد تغير، ولا مجال للاستمرار بالتهريج التافه الذي لا موضوع له! وفي تقييمه لعادل إمام قال: إنه أكبر فنان عربي وله جمهوره العريض، ولكن عادل إمام يحتاج ثورة على عادل إمام كي يواكب العصر! وهذا ما يفسر انحسار المشاهدين عنه لهذه السنة.
ما قاله الشناوي عن عادل إمام؛ وهو من أشد المعجبين به؛ يدل على أن أمام المشاهد «العربي» في 2020 والسنوات اللاحقة كماً هائلاً من «الرمضانيات»، ولا يستطيع متابعتها كلها في آن واحد. وله حق التفضيل؛ بل يتوجب عليه الاختيار! وهو غير ملزم بأعمال فنية لا تحاكي تطلعاته، وبالتالي سيتعرض المنتج المصر على التفاهة، لخسارة أمواله وممثليه والقناة الفضائية التي تعرض له!
** **
- د. عادل العلي