د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عيد الأضحى وعيد الفطر، عيدان إسلاميان هامان، وفيهما من العبر الكثير، ومن الملاحظ أن هذين اليومين يأتيان بعد عبادة عظيمة، فعيد الأضحى، يأتي بعد الحج الأكبر، والوقوف بعرفة، وكما هو معلوم أن الحج عرفة، والحج يصاحبه مشقة وعناء، ويأتي العيد في اليوم التالي للوقوف بعرفة، أما عيد الفطر فيأتي بعد انتهاء شهر رمضان المبارك مباشرة كما هو معلوم، وهو أيضاً يأتي بعد نَصَب، وجوع، وعطش قد يصاحب الصوم.
يظهر من وقوعهما بعد تلك العبادة وذلك العناء، إنه تعبير عن التفاؤل بقبول العبادة إن شاء الله، إنه أيضاً تعبير عن الفرحة بعد طول صبر لنيل أجر تلك العبادة من الله.
في مؤشرآخر لوقوعها بعد العناء، أن الانسان يحتاج إلى أن يسعد بعد الإنجاز، ويحتفل بذلك، ويحمد الله على إتمامه، ولابد أن يبني مظاهر الفرحة على نفسه ومن حوله.
عيد الفطر المبارك يأتي بعد إتمام شهر رمضان نرجو من الله القبول، فنشعر به كما كنا نسعد من قبل، حتى وإن كان هذا الوباء المسمى كورونا قد أناخ ركابه بالأمة على الكرة الأرضية، ليصيب الإنسان فيها بمقتل، فيأخذ بعضهم، ويشفي الله بعضا منه، ويسلم الله الكثير، وعلينا أن نعيش العيد كمسلمين أينما كنا في فرحة بحلوله، مراعين ما يتطلبه الحذر والالتزام بالتباعد المطلوب، تباعداً في عيد يرمز إلى التقارب، لكن ليس بالضرورة أن يكون التقارب جسدياً ليكون الاحتفال بالعيد تاماً، فهناك الكثير من أساليب التواصل الاجتماعي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو بقدر ما تسمح به الأنظمة التي سنت لحماية المجتمع من هذا الوباء الخطير.
عيد الفطر هذا العام، يطل والعالم يمر بأزمة مالية نظراً للإغلاق التام، لكن أيضاً يصاحب هذا العيد فتح جزئي أو كلي للكثير من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية، في كثير من دول العالم، ولا يمكن إلاّ أن نكون فرحين بين عناءين عناء الصيام، وعناء التقليل من إقفال الأنشطة الإنسانية في العالم، علينا أن نسعد بالعيد ونفرح وقد بلغنا الله شهر الصوم ونحن أحياء في صحة وعافية، نعيش ونراقب ونتابع، والأمل يحدونا بأيام مشرقة قادمة، تحمل معها إن شاء الله الكثير من الخير.
عيد الفطر هذا العام، لن يخلو من ميزات إضافية، مع ما فيه، فالبيئة أصبحت أكثر نقاء، والأُسَرُ أثرى علاقة وأطيب نفساً، وقد أتاح للمجتمعات تطبيقات فعلية للتعلم عن بعد، وأن ذلك يمكن أن يكون منهجاً عالمياً للمستقبل، وعلمنا كيف نقتصد في المصروفات، وكيف نرتب أمورنا ونقوم ببعض الصيانة الخفيفة في المنزل، وعلمنا أنه يمكن الاستغناء عن الاجتماع الليلي مع الأصحاب والأصدقاء، وأنه يمكن البقاء في المنزل، والاستئناس بالأهل والأبناء، للحصول على سعادة أكثر.
عيد الفطر هذا العام، لن يكون فيه ترحال، ولا تنقل بين الأودية والجبال، وإنما حصول على سعادة مماثلة بالبقاء في المنزل، ناهيك عما سوف يوفره الانصراف عن السفر من مال، ربما يكون الإنسان في حاجة إلى صرفه فيما هو أهم.
عيد الفطر هذا العام، جاء بعد شهر جمع بين الصوم، والقيام في المنزل، وتعلم الرجل في ذلك الشهر الكريم كيف يكون إماماً، ويؤم أسرته أو من يعول، بكل ثقة، وأعطاه متسعاً من الوقت ليحفظ بقدر ما أمكن من القرآن الكريم.
في عيد فطر هذا العام، يمكن للإنسان أن يشعر أبناءه بالعيد، من خلال ألعاب يقترحها عليهم، وأخرى كانت موجودة فاندثرت وخفيت عليهم، لهذا تجد أن هناك نمطاً جميلاً من الفرحة بالعيد، يكون جمالها في التغيير والتجديد.
سيعود العيد إن شاء الله أعواماً عديدة وسنتذكر ذلك العيد الاستثنائي في ظل جائحة كورونا، سيبقى في الذاكرة نرويه للأجيال القادمة، وسيكون ذكرى عالقة في الذهن، ولا يسطر إلاّ ما كان غير نمطي الحدوث.