د. محمد عبدالله العوين
لأن وسائل الاتصال الحديثة لم تكن موجودة في السنوات العشر التي تسبق 1400هـ وهي موضع حديثي في هاتين المقالتين كنا في حوطة بني تميم نعتمد على سماع المؤذن مباشرة قريباً من المنارة التي يصعد إلى منتصفها إن كانت عالية أو إلى قمتها إن كانت متوسطة الارتفاع، ونجتمع نحن أبناء الشارع الواحد قبل أذان المغرب بثلاث أو أربع دقائق ونخط خطا في تربة الشارع لا نتجاوزه لننطلق بسرعة مع رفع المؤذن (سعد بن راشد الزير) -رحمه الله- صوته بـ(الله أكبر) لنبلغ أهالينا بالأذان، فما أسرعنا ونحن نتسابق في طريق واحد ثم نفترق في أزقة متفرعة وكأننا نطير لا نركض وعلى ألسنتنا صوت واحد: أفطروا يا صايمين!
أما بعد الإفطار الخفيف على تمر وقهوة وشراب التوت (الفيمتو) وكأن الصيام لا يتم إلا به، ثم أداء صلاة المغرب في الجامع تتحلق الأسرة على طعام العشاء المكون عادة من الشوربة والرز باللحم أو المكرونة مع السمبوسة واللقيمات ونوع من الحلوى كالجلي أو المهلبية.
وإذا كان في المنزل (مذياع) فالمادة المسلية المعتادة الفنان الشعبي (عبد العزيز الهزاع) في برنامجه (يوميات أم حديجان) ويقدم فيه أربع أوخمس شخصيات وقد تزيد بأصوات تناسب كل شخصية من ممثل واحد.
أما إذا كان البيت شديد المحافظة كبيت الوالد -رحمه الله- الذي لم يسمح بدخول الراديو إلى المنزل إلا بعد سنوات عدة؛ فإن التسلية الوحيدة في اجتماع أفراد الأسرة وتبادل الأحاديث والسوالف والقصص والمواقف إلى أذان العشاء الذي لا يتأخر كثيراً بعد صلاة المغرب أكثر من ساعة ونصف.
الحق أن الأجواء الرمضانية الليلية كانت تنتهي بعد الحادية عشرة ليلاً بقليل، حيث يأوي الكثيرون إلى مضاجعهم للنوم؛ لأنه لا شيء يمكن أن يشغلهم أو يتسلوا فيه، ثم ينهضون من نومهم لتناول السحور قبل الفجر بساعة تقريباً.
لكن هذه الرتابة المشوبة بالملل تغيرت بعد دخول الكهرباء للمدينة، واقتناء كثيرين أجهزة التلفزيون، فأصبح هو المسلي الرئيس بمسلسلاته وبرامجه التي تبث من قناة واحدة ولا سواها.
لكننا نحن الشباب كنا نخترع ما يسلينا، فقد ابتكر لنا أحد شباب حي (الزبارة) وربما كان يحيى السويلم - رحمه الله-، وكنا ندلعه بـ(يحيوي) وهو تصغير تحبب؛ ابتكر (كرة النار) وهي مكونة من قصدير ملفوف بغزارة أكثر من مرة على نفسه إلى أن أصبح كرة ثم تغمس كرة القصدير هذه أو تحقن من جوانب عدة بمادة البنزين إلى أن نشعر أنها امتلأت بهذه المادة الحارقة، ثم نبدأ بعد صلاة الفجر وأمام الجامع الكبير بسوق القاع بتقاذفها بأقدامنا وهي مشتعلة لا تنطفئ أكثر من نصف ساعة إلى أن ينفد ما حقنت به فتبدأ تخبو وتضعف إلى أن تنطفئ بعد أن نكون استنفدنا طاقتنا في ملاحقتها وتقاذفها بأقدامنا بقوة على بعضنا.
كان زمناً بريئاً وجميلاً على بساطته وفقره وفقدان ما يملأ الأوقات بالمسليات.