رحل عنا رجل ليس مثل سائر الرجال، رجل الاقتصاد الإسلامي ورجل الإعلام العربي ورجل مبادرات الأعمال المميز ورجل أعمال الخير والبر والإحسان والعطاء والأب الحنون وابن الوطن البار.. الشيخ صالح كامل.
تمتد قائمة الألقاب والصفات الحميدة والمناقب لهذا الرجل المؤلفات وهذا هو الأثر الذي يتمنى كل مؤمن ورجل صالح أن يتركه في الدنيا وكما من الله سبحانه وتعالى على عبده صالح كامل بهذه المآثر فقد من عليه باختياره في ليلة مباركة من ليالي رمضان وفي العشر الأواخر ونحسبها ليلة القدر.
ولد الشيخ صالح كامل في أطهر بقاع الأرض من عائلة كريمة ومن نسل رجل فاضل ألا هو العم عبدالله كامل -رحمه الله-، هذا الرجل الذي عاشر الملوك وله أياد بيضاء في هذا البلد المعطاء. كنت أزور العم عبدالله كامل في التسعينيات في مكتبه في برج دلة وكان في شدة التواضع ويتكلم معي وكأني صديق وأنا في عمر أبنائه أو أحفاده وكانت قصصه لي وأحاديثه دائماً عن المبادئ الحميدة، ومن يعرفه لا يستغرب أن يبارك الله له في ولده. «وكان أبوهما صالحاً».
لقد ترك الشيخ صالح إرثاً واسعاً من العلم والثقافة والاقتصاد والإعلام وعالم الأعمال. هو الرجل الذي نادى بالعمل بالزكاة الحقة التي تبني المجتمعات وألف في ذلك كتباً ومحاضرات عديدة، وأول من أنشأ المحطات الفضائية العربية مثل إم بي سي، وإيه آر تي، وعمل على إثراء الإنتاج والمحتوى الإعلامي العربي، وأول من بادر في إنشاء شركات الاستثمار في المملكة الحبيبة، وبادر في تأسيس كثير من الشركات التي ساهمت في بناء هذا الوطن، ولن أعدد لأن أعماله معروفة ولكن ربما أهم أثر تركه هذا الرجل هو مفهوم الاقتصاد الإسلامي المعاصر والمؤسسات المالية التي أسسها وساهم فيها.
من قابل الشيخ صالح كامل يعرف أن لديه شخصية مميزة، فهو رجل كان يتمتع بجاذبية في الشخصية يندر مثلها، وإن كان أحد يريد أن يعرف معنى الكاريزما فقد كان يتعين عليه مقابلة هذا الرجل. رجل العلاقات الدولية من الطراز الأول، فقد امتدت علاقات الشيخ صالح وارتقت للملوك والرؤساء في بقاع الأرض كافة، وكان يعامل معاملة خاصة ومميزة من الرؤساء في كثير من الدول خاصة العربية والإسلامية. ولقد أعطاه الله على قدر نيته فقد كان دائماً شعاره «المال مال الله ونحن مستخلفون عليه»، ولم يكن شعاراً ونظرية بالنسبة له، بل صدق ذلك بالعمل الدؤوب وبذل المال والجهد والوقت، ولا أبالغ إن قلت في جميع الدول الإسلامية بدون كلل أو ملل حتى وفاته.. وتشهد له المئات من الشركات الناجحة في العالم الإسلامي وفي المملكة الحبيبة.
يترك الشيخ صالح هذا الرجل أثراً كبيراً في مجال البنوك الإسلامية، وإن كان لم يحب أن يطلق عليها لفظ بنوك إسلامية لأنه كان يقول إن أخطأنا فلا نريد أن يلصق أحد الخطأ بالإسلام. ولكن بادر من سبعينيات القرن الماضي في وضع أسس العمل المصرفي الإسلامي وإنشاء العشرات من البنوك والمؤسسات المالية التي تلتزم بمنهج الشريعة وبذل الغالي والنفيس لنشأتها. وهذه هي اليوم تشهد له ولرجال مثله بفضل من الله سبحانه وتعالى.
إن استحق رجل لقب شيخ بكامل معنى اللقب فهو هذا الرجل في الأخلاق وفي علم الشريعة وفي علم الزكاة وعلم الاقتصاد وفي الإعلام وفي العلاقات وفي القيادة وفي التميز والأدب وفي الأسرة وفي العشيرة.
رحمك الله يا شيخ صالح كامل رحمة واسعة يغنيك بها عمن سواه، وجعلك في عليين وفي الدرجات العلا من الجنة وغفر لك ما تقدم ذنبك وما تأخر وبارك لك في عملك الصالح وجعله في ميزان حسناتكم وصدقة جارية إلى يوم الدين.
والله نسأل الصبر والسلوان لأبنائك وبناتك وأهلك وأقاربك وأحبائك.
وأثق تماماً لو كان مواراته الثرى في أيام عادية لا تحكمها الظروف الحالية كان ليشهدها أمة يصعب عدها، ولكن منّ الله عليه بأن يكون وسط أهله في هذه الأيام الفضيلة وفي ليلة فضيلة وأيام مباركة، وأسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعله مع الصديقين والشهداء، وأن يستجيب لدعوة الداعين له، إنه سميع مجيب، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
** **
- د. صالح جميل ملائكة