فضل بن سعد البوعينين
على الرغم من انعكاسات كورونا الحادة على جميع القطاعات الاقتصادية، إلا أن نسبة التأثر ربما اختلفت من قطاع إلى آخر، وأحسب أن قطاعي السياحة والطيران، من أكثر القطاعات تأثراً. ومن الطبيعي أن يكون قطاع السياحة في مكة المكرمة والمدينة المنورة من القطاعات الأكثر تضرراً من بين مجمل القطاع في المملكة كنتيجة مباشرة لتعليق العمرة والزيارة لدواعي التحوط الصحي، وهو قرار حكيم حمى البلاد والعباد من انتشار الوباء وانتقاله داخلياً وخارجياً، ولضخامة التكاليف المترتبة على القطاع.
أحدثت جائحة كورونا أثراً مباشراً في التدفقات النقدية للقطاع السياحي في المدينتين المقدستين، وتسببت في تعثر القطاع عن الوفاء بالتزاماته المالية، وهي التزامات تراكمية لا ترتبط بالمقترضين، والمستأجرين الرئيسين فحسب، بل وبسلسلة المتعاقدين الذين يواجهون تحديات في مواجهتهم الأزمة الخانقة.
شركة جبل عمر للتطوير مثال حي للقطاع السياحي في مكة، حيث أعلنت توقفها عن سداد دفعة الإيجار الخاصة بالفترة من مايو 2020 وحتى نوفمبر 2020، والبالغ قيمتها 270 مليون ريال بسبب القوة القاهرة الناتجة عن فيروس كورونا المستجد. الأكيد أن الشركة ليست شذوذ القاعدة؛ بل القاعدة نفسها في المدينتين المقدستين، وإن لم تظهر قضايا أخرى للعلن. يبدو أن معايير الإفصاح ألزمت الشركة بالإعلان، في الوقت الذي لم تعلن فيه شركات أخرى، ومتعاقدين أفراد ربما وصلت قضاياهم المحاكم قريباً.
خصوصية المدينتين المقدستين تسري على القطاع السياحي فيهما، ما يستوجب اتخاذ إجراءات معالجة سريعة لتحديات القطاع، للحد من تحولها إلى كرة ثلج تتعاظم مع مرور الأيام، وتتورط فيها مجموعات تجارية كثيرة تشكل فيما بينها سلسلة التعاقدات المترابطة.
من المفترض أن تكون أدوات المعالجة أكثر شمولية وابتكاراً، وألا يُركز فيها على الدعم المالي أو تأجيل الأقساط، رغم أهميتها لمكونات المعالجة، بل يجب خلق تشريعات شاملة تعالج واقع القوة القهرية وآلية التعامل معها، وبما يسهم في منع تحمل التكاليف لجهة واحدة لمصلحة أطراف أخرى. تتطلب الظروف القاهرة مشاركة واسعة في تحمل المخاطر، وبما يحد من حجمها وأضرارها في آن، إضافة إلى خلق تشريعات قانونية تعالج الأوضاع الطارئة بشكل مستدام. من المهم مراجعة آلية مواجهة مخاطر كورونا الاقتصادية وبما يحد من تركز تكاليفها المالية، وإمكانية تحولها مستقبلاً إلى أزمة تعصف بالجميع، بما فيها القطاعات الاقتصادية المستفيدة من برامج المعالجة الطارئة. لا يمكن التوسع في تحمل مزيد من المخاطر وفق الآلية التقليدية المنفذة حالياً، غير أن تطبيق المعالجة التشاركية والتشريعية سيسهم في الحد من الأضرار الحالية والمستقبلية.