مها محمد الشريف
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
نعم لقد اقترب العيد وتفصلنا عنه لحظات بل ساعات. العيد هذا العام جديد في عالم حقيقي آخر بديلاً عن العالم المشهود، وبالتالي مضطرين لافتراض واقع آخر ينطبق على إدراكاتنا الحسية لكيفيات الأشياء الخارجة عن إرادتنا، فالعالم يخضع لتحول دراماتيكي بمعنى أننا نعيش في عالم جديد تحت تأثير العزل والحجر من خطر محقق وجب مبدأ الوقاية منه.
من منظور أبعد، كان ما يجمع رواد علم الاجتماع الأوائل هو الرغبة في مضمون المعاني الكامنة في التغيرات التي طرأت على مجتمعاتهم، وقد سعى هؤلاء إلى تجاوز التفكير المجرد والمضي إلى ما هو أبعد من تفسير الأحداث في تلك الفترة، وفوق هذا وذاك فإنهم سعوا إلى تطوير الوسائل الكفيلة بإدراك طبيعة التغير الاجتماعي.
وهذا ما يترتب على الجميع اليوم بتشكيل حياتنا وحياة الآخرين من حولنا بأسلوب خلاق مبتكر وربط الآراء والنتائج الاجتماعية بالأوضاع والمواقف التي يواجهها والوسائل التي تساعد على تحقيق الهدف، وقد فرضت الحقيقة نفسها بنفسها وفقدت المجتمعات كثيرا من الفرح بترك جزء مهم من العبادات كصلاة الجماعة في المساجد في شهر رمضان المبارك وصلاة العيد وتبادل الزيارات والعادات الأخرى المتعارف عليها في بيئة مجتمعنا والاستعداد لعيد الفطر والتسوق والشراء وأنس الأعياد والتجمعات.
لكن ألا يُقال إن الإنسان اضطر أن يسير على مبادئ أخرى قد لا تشبهه، وأكسب أفعاله مزايا أخرى أكثر انضباطاً ونبلت عواطفه وأسرف في الحياة الجديدة لحاجة مؤقتة ومتغيرة، في حين يدلنا الواقع على أن بعض ما ذكرته امتداد للظرف دون الإطلاق، والشيء الأجدر بالملاحظة حول هذه الظروف تأثير ثقافة الاستهلاك حتى أصبح الفرد يعرف نفسه أكثر كمستهلك لوجود ارتباط وثيق بين الأزمة الصحية والاقتصاد.
لقد تبنى مجموعة كبيرة من المواقف حيث تدفقت مميزاتها وإحساسها بالمسؤوليات واكتشاف بعض الطرق التي تعبر عن أنماط الحياة عن نفسها في بعض الأشكال الثقافية للإنتاج والاستهلاك، إن الجميع يعيش وسط تعدد لقراءات المشهد العام وقد أنتج ذلك أشكالاً جديدة من الوعي بالذات والوعي الاجتماعي، فرغم أن صيغ الإنتاج والاستهلاك الثقافي قد تغيرت من الناحية الكيفية، فإن ذلك لا يعني إقفال الماضي وفقدان الحاضر في عصر جديد تماما غير الذي عهدناه تشابهت فيه عادات الشرق والغرب لا أعياد تجمعهم ولا صلوات جماعة، تباعد اجتماعي وحركة شبه موقوفة رغم التكنولوجيا المتقدة واقتصاد الشركات الدولي وشبكات التواصل العالمية، ولكن قيل في مثل هذه الظروف تتناسق العناصر الأيديولوجية معاً لتنتج مفهوما مترابطا بطرق مختلفة تعيد تشكلات المجتمعات.
بقي ما هو أصعب، ويتمثل في قدوم عيد الفطر المبارك، ولكن على الجميع تكييف المسؤوليات وتطويع الظروف لنشر فعاليات الفرح من أجل الأطفال والتواصل مع الأقارب والأصدقاء بالرسائل والمعايدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الفرح في السلامة من عدوى الوباء «كوفيد19»، مهما غابت مظاهر وطقوس وعادات مؤنسة وجميلة على المسلمين، فها هو العيد بلا صلاة في الساحات، ولا لقاءات وتبادل عبارات التهنئة بالعيد، ولكن يتحتم على الكل الامتثال للأوامر والإرشادات و قبول التحذيرات من الزيارات والتجمعات لسلامة الشعب فشكراً لحكومة خادم الحرمين الشريفين على الجهود الضخمة التي تبذلونها لشعبكم الكريم وكل عام وأنتم بخير وعيدنا في سلامتنا من الوباء.