د. جمال الراوي
دخلنا إلى أحد محلات الألبسة، فوجدنا كومةً من الملابس عند صناديق الحساب، يتجمّع عندها بعض العاملين في المركز، وبعد أنْ دققنا في الألبسة، وجدناها جميعها مُلطّخة بالأصباغ والألوان المُختلفة، فأثار الأمر فضولنا فسألناهم، فأجابونا بأنّ إحدى الأمهات دخلت ومعها ولدها، وبيده شتى أنواع الأطعمة و»الآيس كريم»، ويبدو أنّ الولد بدأ يتلمّس الألبسة المعروضة بيده المتسّخة ويعبث بها، فترك آثارًا، لم يجدوا أيّة طريقة لإزالتها، فأصبحت غير قابلةٍ للعرض والبيع.
هذه الحالة وغيرها؛ تدل على إهمال واضح من بعض الأمهات، ممن يجْلبن أولادهنّ إلى مراكز التسوّق أو غيرها من الأماكن، ثم يتركونهم يعبثون ويمارسون شغبهم بحريّة دون أية رقابة، وحجتهنّ في ذلك، أنّه لا سبيل للسيطرة عليهم، وأنّهم أطفال يمارسون لعبهم ولهوهم ببراءة، ولا مؤاخذة أو حساب عليهم، وهذا ما حدث مع أصحاب المركز المذكور؛ الذين قالوا لنا إنّهم؛ لاحظوا ما فعله الطفل بالملابس المعروضة، فقاموا بتعنيف الولد وصدّه، فما كان من الأمّ إلاّ أنْ شتمتهم ثم انسلّت خارج المحل، غير عابئة بالأذى الذي تركه ولدها!!
يُصادف أنْ تأتينا إلى العيادة بعض الأمّهات، وأحيانًا الآباء ومعهم أولادهم؛ اصطحبوهم معهم دون ضرورة أو داعٍ لذلك، فيبدأ الأولاد بالعبث بما تقع عليه أيديهم من أدواتٍ طبيّة؛ فننشغل عن شكاوى الأهل، بمراقبة هؤلاء الأطفال باستمرار، عدا عن الإزعاج الذي يسبّبونه لنا، والغريب أنّ بعض هؤلاء الآباء والأمهات يقومون بتعنيف أولادهم أمامنا، حتى يُثبتوا لنا بأنّهم معنيون بتربيتهم وزجرهم، وقد يقومون بضربهم وربما صفْعهم، فنحتار فيما يجب أنْ نقوله للأهل: هل نلومهم ونعاتبهم على اصطحاب الأطفال إلى مكانٍ لا داعي لتواجدهم فيه، أمْ نلومهم على الطريقة الفضّة بالردّ على شغب أولادهم!!
كثيرًا ما يشكو النّاس، أثناء الزيارات العائلية، من وجود أولادٍ مشاغبين، يقوم الزوّار باصطحابهم معهم؛ ثم يتركونهم يعبثون في بيوت المُضيفين، الذين تتوتّر أعصابهم، وأعينهم تراقب أولاد الزائرين، الذين يعبثون بكل ما تراه أعينهم، وقد يدخلون الغُرف ليلهو في داخلها، أو يفتحوا أبواب الثلاجات ليأكلوا ما تقع عليه أيديهم، بدون حياءٍ أو خجل، بينما أهل البيت يتحرّجون في تعنيفهم، حتى لا يغضب الضيوف وينكسر خاطرهم، لكنّهم في قرارة أنّفسهم؛ ينتظرون، بفارغ الصبر، أنْ ينفضّ الزوّار ويغادرونهم؛ حتى لا يُتلِف أولادهم ويوسّخوا المزيد من أثاث البيت، أو حتى يُصلِحوا ما أفسدوه!!... ولا تخلو بعض الحالات من أطفالٍ؛ يقومون بالتكسير والتخريب بأثاث المضيفين، لدرجةٍ أنّ أهل البيت ينتابهم الرعب؛ عندما يسمعون بحضور هؤلاء لزيارتهم، وقد يضطرون لقطع العلاقة معهم، لما يرونه من لا مبالاةٍ عند ضيوفهم!!
يُلاحظ بأنّ شغب الأطفال بدأ في الازدياد في مجتمعات اليوم، وبعض الدراسات تقول إنّ النسبة تصل إلى النصف، وهي ظاهرة خطيرة، تحمل في طياتها باكورة سلوكيات عدوانيّة وحالات تمرّد واعتداءٍ على الأنظمة والقوانين عندما يكبر الأطفال، وتعزو الدراسات تنامي هذه الظاهرة إلى وجود مشاكل أسريّة مع تفكّكٍ أسري!!... ويُلاحظ فقدان بعض الأطفال لبراءة الطفولة، فتجد بعضهم؛ يملكون جُرأة غير محمودة، ويتعاملون مع الكِبار بنديّة؛ تفتقد للاحترام، وقد ساهمت، للأسف، مواقع التواصل الاجتماعي والتعليم المدرسي المضطرب في تنمية هذه الظاهرة!!