د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
في حياة صاحبكم معهدان؛ تعلم في الأول، وعمل وعلَّم في الثاني، وظل حفيًّا بهما، منتميًا إليهما، مذكّرًا بدورهما، مقتنعًا أن لهما فضلًا عليه، ولرموزهما دينًا لديه، وهما: المعهد العلمي بعنيزة ومعهد الإدارة العامة في الرياض، وقد يعجبُ من رأى الجمع بين من ظُنّا ضدّين، وما كانا، لكنها الحزبية في كل زمان؛ يعنيها أن ينفصلَ المتصل وينقسم المتوحد، ولهذا حديث آخر.
** لا يدري أين رأى كتاب الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي (لمحاتٌ من الذاكرة)، ربما لدى أستاذه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي رحمه الله، وإذ استيقظ ولاؤُه المعهديُّ أمام اسم ووسم مؤلفه، وهو من يعدُّه صاحبُكم المؤسسَ الثانيَ لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي تنتمي إليها المعاهد، فقد تصفحه ولفتت نظرَه عبارة: «هذه الطبعة خاصة لأسرتي وأصدقائي» فأيقن أن قد سُدّت أمامه فرصة اقتنائه؛ فاستعاره وأعاده بعد قراءةٍ عجْلى مقتنعًا أن الشيخ التركي قال ولم يقل، وأوجز فلم يفصل، وخصَّ به ذويه فلم ينتشر، وجمع في كتابٍ واحد ما حقُّه عدةُ كتب.
** شاء الله أن يلتقي بالشيخ - للمرة الأولى- خلال مناسبة ثقافية قريبة - رجب 1441هـ - وأحسّ أنه يعرف الشيخ بل يألفُه؛ فبثَّه بعضَ هواجسه حول الكتاب، وأهميةِ إخراجه للناس، وفصلِ ذكرياته مع الرموز المجتمعية والعلمية لتنفرد بجزءٍ خاص، وليختصَّ جزءٌ ثانٍ بمسيرته العلمية والعملية، وليفيَ بما أشار إليه من عزمه على توسعة بعض ما أجمله في كتبٍ مستقلة؛ فمسيرةُ ثمانية عقودٍ عمرًا وستةِ عقودٍ عملًا تستحق أجزاءً يقرؤها الباحثون لا جزءًا يحتفي به الأقربون.
** أكرمه الشيخ عبدالله بإهدائه نسخةً موقعةً بقلمه فسعد وسعى للمِّ شتات مروره العابر عبر قراءةٍ متأنيةٍ، وأيقن أن انطباعه الأوليَّ لم يختلف؛ فالكتاب، بل» الكتب»، مليءٌ بما يضيف ويضيء، وشيخنا أبو فهد مدرسةٌ إداريةٌ يتفقُ معها فئامٌ ويختلف حولها آخرون، ويراه بعضهم الحازم الصارم، ويجزم غيرهم أنه الإداريُّ المرن، ونوقنُ أنه وعى النظريةَ الإداريةَ التي تفترض في القائد أن يعملَ من خلال الآخرين لا بديلًا عنهم، وفي سيرته تتوارى الأنا من غير أن تختفي، وتمتلئُ بالشخوص ولا تهمل النصوص، ويلحظ متأملُها أنه رنا إلى أهدافه غيرَ هيَّاب، وأن فيها مواقفَ تصلح حالاتٍ إداريةً شاهدةً على رحلةٍ ومرحلة.
** درَّس الرياضيات وهو طالبٌ في الجامعة، واكتشف مخالفةً هندسيةً مستعينًا بذاكرته، واعتمد على التواصل المباشر مع ذوي القرار فأقنع واقتنع، ودعم الأنشطة الثقافية وقتَ أنْ عارضها غيرُه، وترك التفتيش من أجل الدراسة، وكادت المعاهد العلمية تُغلقُ لولا جهودُه، واستقطب كفاءاتٍ وصنع تغييراتٍ وأجرى تطويرات، وكانت الجامعة كليّتين فنمت كلياتٍ ومعاهدَ وفروعًا داخل الوطن وخارجه.
** وبعد؛ فلم يتجاوز صاحبُكم السطرَ الأولَ في سيرةٍ ثريةٍ تستحقُّ أن تُقرأَ وتُستقرأَ، وتُتاحَ لدارسي الإدارة وممارسيها والتأريخ وباحثيه.
** النّجاحُ ذاتٌ وسمات.