عبدالعزيز السماري
لم يدر في خلد العالم آرثر أشكين أنه قد تكون لديه فرصة للفوز بجائزة نوبل، لكن البالغ من العمر 96 عامًا من رومسون، نيو جيرسي، قال إنه «تخلى عن القلق» بشأن مثل هذه الأشياء منذ فترة طويلة، واختار العمل والبحث العلمي في أمريكا لمجرد العمل، لكن أشكين حقق الإنجاز، وكان أكبر شخص يفوز بجائزة نوبل، ويعمل حاليًا على أفكار تتعلق بالطاقة الشمسية، مدفوعة بقرار الرئيس ترامب بإخراج الولايات المتحدة من اتفاقية باريس بشأن المناخ.
لم يتبادر في ذهن العلماء ذوي الشعر الفضي في علم الفيزياء أنهم سيدخلون التاريخ أيضاً بسبب اكتشافاتهم فيما بعد السبعين عاماً، حيث قبل عامين اكتشف الأمريكيون الذين تشاركوا في نيل جائزة نوبل للفيزياء موجة الجاذبية المتغيرة للنموذج، بعد سماع صدى خافت لثقوب سوداء تصطدم قبل 1.3 مليار سنة. وقد فعلوا ذلك في الأعمار الناضجة من 75 و79 و83 سنة..
كان هناك عوامل لأسباب التحول التاريخي في إنجازات علماء الفيزياء المسنين، أحدها أن الجامعات الأمريكية تخلت عن سن التقاعد الإلزامي في عام 1994، مما سمح للمتميزين في البحث العلمي بالعمل لفترة أطول، وهناك عامل آخر، وهي أن للعقل الأكبر سنًا ميزة أكبر من العقول الناشئة، حيث إن ما يتطلبه القيام بعمل تجريبي كبير هو تراكم المعرفة والحقيقة وفهم كيفية وضع الأجزاء في الأماكن الصحيحة.
عندما أرى هذه النتائج العلمية الباهرة في هذه الأعمار المسنة، أدرك أننا نفقد الكثير عندما ندفع علماءنا الباحثين والمنتجين علمياً إلى التقاعد المبكر في سن الستين، بينما يستمر الإداري إلى أعمار متأخرة في العمل، وهو تبسيط لنظرية بدائية وفكرة احتكار المنافع، فأصحاب الإنجاز العلمي يدفعهم الإداري إلى التقاعد بينما من المفترض المحافظة عليهم لأن في هذه السن يكونون قد بدأوا للتو رحلة تحقيق الإنجاز.
للحصول على دليل أكبر، درس جون والاش من كلية السياسة العامة في معهد جورجيا للتكنولوجيا آلاف طلبات براءات الاختراع في الولايات المتحدة واليابان، ليجد أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عامًا كان لديهم أكبر فرصة للحصول على براءة «عالية القيمة».
لا يوجد سن تقاعد للعقل المبتكر، فالبحث العلمي وتحقيق الإنجازات لا تتقيد بعمر محدد، ولا يتوقف التفكير عند بلوغ الستين، بل قد يشتعل أفكاراً إذا وجد البيئة العملية التي تساعده على ذلك، لذلك يجب أن يختلف التعامل مع هولاء المبدعين، فقد يعني إقصاءهم بسبب نظام إداري قتل لإبداعهم وطموحهم في سن مبكرة.
لهذه الأسباب هاجر العلماء والعباقرة إلى أمريكا خلال العقود الماضية، فالعمل والإنجاز لا يتقيد بأنظمة إدارية قديمة، ولكن بمقدار ما يحققه الإنسان من إنجاز في حياته العلمية والعلمية، فالعقل لا يهرم، بل يزداد اتقادًا كلما زادت خبراته العملية.
إحالة الباحث والعالِم إلى التقاعد من أجل توظيف موظفين أصغر سنًا من الأفضل أن لا تنطبق على هذه الفئات القادرة على تحقيق الإنجاز العلمي والعملي، فالوظائف الجديدة يخلقها الاقتصاد المتطور، وليس عمليات استبدال أجيال بأخرى في مجالات البحث العلمي والخبرات العملية المتراكمة، لكن الإشكال الأكثر ألمًا عندما تعتقد أن تحويل الخبرة العلمية في البحث وتحقيق الاكتشافات العلمية توفر مالاً، بينما ذلك لا ينطبق على الإداري الذي يمثل فكرة السيطرة في مجال العمل مهما طال به العمر..