د.عبدالعزيز الجار الله
أظهر بعض المشاهد في أوروبا حالات الاستياء العام على أوضاعهم المالية وبيئة العمل من العاملين في القطاع الطبي في المستشفيات الحكومية والجامعية والقطاع الأهلي، الصورة التي كنّا نراها من تحية السكان والأهالي للطواقم الطبية عبر الشرفات والبلكونات والشبابيك بالتصفيق والموسيقى والتلويح بالأيادي لشد همة الأطباء والعاملين في الفرق الطبية، انحسرت وتوقفت، وظهر مكانها استياء الأطباء ، ووضع الوجوه أمام الحائط، والدوران للخلف عند زيارة المسؤولين للمستشفيات تعبيراً عن التذمر والاحتجاج، ورفضاً للمكافأة المقرَّرة لمرة واحدة، والمطالبة بزيادة الرواتب كما في فرنسا وبلجيكا وباقي الدول الأوربية.
الأطباء والطواقم الطبية الخط الأول لمرض كورونا (كوفيد 19) في أوروبا والعالم، لم يعد يقنعهم حفلات الموسيقى من الشرفات وتلويح الأيدي والأغنيات الرومانسية والعاطفية، ولا الاصطفاف في الشوارع والشكر والتهنئة من الجمهور والرقص لهم وتطريبهم بعد عمل لأكثر من ثلاثة أشهر متواصلة، لتكتشف الكوادر الطبية أنها تعمل بنقص شديد في الأدوات والمستلزمات الطبية، والمباني، والمختبرات، وعيادات الطوارئ، وغرف الملاحظات المشددة العناية المركزة، ونقص في الحصانة والحماية من الإصابة بالعدوى، بعد أن فقدوا زملاء لهم بسبب الإصابة.
العالم وجد نفسه مضطراً أمام حقيقة الكوادر الطبية أن دورها حيوي في الوقاية والعلاج والخط الدفاعي الأول، والذي متى أن انهار وسقط سوف تتداعى مؤسسات الدول ينهار الاقتصاد والأمن السكاني والشلل التام يغزو المدن، والانهيار المالي للدول، ويكون لا سمح الله تدميراً للنفس البشرية.
قفز الجهاز الطبي إلى سلم الأولويات وفِي مقدمة المطالب، يتساوى مع الأمن والحماية العسكرية، فالفزع الذي مرت به دول أوروبا الكبرى: بريطانية، وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، ودول أمريكا وروسيا يؤكد أن العالم على وشك حرب عالمية على وشك الوقوع، لأنها تدخل ضمن الحرب الجرثومية والبيولوجية، وحرب تدمير الاقتصاد، وإغراق الدول بالمرض والإصابات وجعل الدول تعيش حرب استنزاف لا حدود له.
إذن العمل القادم للدول هو تحسين القطاع الطبي، والطواقم الطبية، تحسين دخولاتهم، والحوافز الطبية، والتوسع في المدن الطبية، وأن تصرف الحكومات الميزانيات كما تعامل القطاعات الأمنية، وفِي الأوضاع العادية يمكن أن تبيع الحكومات الخدمات الطبية لشركات التأمين، ومن يرغب في خدمة طبية عالية.