م. خالد إبراهيم الحجي
لقد بدأت الثورة الصناعية الأولى في أواخر القرن الثامن عشر باكتشاف المحرك البخاري الذي تم استخدامه للقيام بالأشياء التي تتطلب القوة الميكانيكية والحركة. وتبعتها الثورة الصناعية الثانية في أوائل القرن العشرين، باكتشاف الكهرباء ونقلها مسافات طويلة من مصدر إنتاجها إلى المستفيدين في منازلهم ومنشآتهم. وجعلت الثورتان الأولى والثانية الناس أكثر ثراءً وتقدماً وتحضراً ومدنية. ثم جاءت الثورة الصناعية الثالثة في بداية القرن التاسع عشر باكتشاف الحواسيب وتكنولوجيا الاتصالات.. وفي آخر عقدين من القرن العشرين قامت الثورة الصناعية الرابعة، وهي عبارة عن نظام فيزيائي ورقمي، وبيولوجي معاً، وتعتمد على المعالجات الرقمية للبيانات والمعلومات بالسرعة الفائقة التي يعجز العقل البشري عن الإلمام بها، ولها ابتكارات واختراعات واعدة تتسابق الدول الغنية على تطويرها والاستفادة منها تجاريًا وتنويع مصادر الدخل الاقتصادي وفي مقدمتها وعلى رأسها 10 تقنيات رئيسة، بما في ذلك الأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، وتحليلات البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، والطباعة الثلاثية الأبعاد، والتكنولوجيا الحيوية البيولوجية، والروبوتات، وتخزين الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي. ومن سماتها أنها تختلف في الحجم والنطاق والتعقيد عن الثورات الصناعية السابقة وتتطور بوتيرة تغيير سريعة جداً فظهر عجز الأطر التنظيمية القديمة التي تم تأسيسها خلال الثورة الصناعية الثانية، ومستمر العمل بها إلى وقتنا الراهن، من مواكبة الثورة الصناعية الرابعة؛ لذلك يواجه المنظمون والمشرعون تحديات غير مسبوقة أهمها التالية:
(1): قلة المواهب والمهارات: وهي مشكلة تعاني منها جميع دول العالم على الرغم من ارتفاع معدلات البطالة في أجزاء منه، إلا إنها قاطبة ستواجه أزمة فعلية في تجنيد المواهب الماهرة؛ لذلك سيكون من المهم لكل دولة فهم وتدبر كيفية الحصول عليها في المستقبل، لتسخير الإمكانات الكاملة للتكنولوجيا والصناعات التحويلية.
(2): التحديات الهيكلية: التي تعيق البحوث العلمية والتطوير التكنولوجي، والتنفيذ السريع للذكاء الاصطناعي، والافتقار إلى أنظمة ديناميكية ومرنة تستقطب المهارات التقنية المحلية ذات الصلة. وبالمثل فإن عدم وجود استثمارات كافية في مجالات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي يشكل عقبة عامة؛ لذلك يجب تطوير وتنمية الرأسمال البشري بأدوات مالية مبتكرة، وشراكات بين القطاعين الخاص والعام، بما في ذلك التركيز على البحوث الصناعية، ومحاور الابتكار التي تسد الفجوة بين مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص، لضمان انتقال منتجات الذكاء الاصطناعي من المختبرات إلى الأسواق التجارية.. وفي عالم يتميز بشكل متزايد بالاتصال السريع، ومع توافر البيانات ذات القيمة، تتمتع الدول الغنية وعلى وجه الخصوص دول مجموعة العشرين الاقتصادية بفرص فريدة، للاستفادة من التقنيات الرقمية الجديدة، والبنية التحتية الأساسية والرقمية التي تسمح بتنشيط الحلول التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بشكل فعال، ومن السهل أن نرى بعض ملامح الثورة الصناعية الرابعة بشكل واضح في برامج التنمية التي تطبقها. ومنها سرعة استبدال تقنية واحدة أو أكثر بتقنيات أخرى في فترة زمنية قصيرة، فهي مراحل من التقدم التكنولوجي المتسارع؛ تتميز بابتكارات جديدة تؤدي إلى حدوث تقدم أكثر، وتطور أسرع، وتغيير مفاجئ في المجتمعات، وتشجيع النمو الاقتصادي، والتحول الهيكلي في طرق إنجاز الأعمال خارج قيود المكان والزمان، مثل: خدمات أبشر، والخدمات البنكية عبر الإنترنت، والحكومات الإلكترونية، وتكنولوجيا الهاتف المحمول التي أثبتت نجاحها وأهميتها لشدة الحاجة اليها، وأصبحت منصة لعشرات التطبيقات التي أُنشئت خلال فترة انتشار فيروس كورونا المستجد بسبب تعليق الدراسة، وأعمال المؤسسات والشركات، والتحول إلى العمل على الإنترنت عن بُعد.. والتكنولوجيا التي تقدمها الثورة الصناعية الرابعة وما يصاحبها من اضطرابات ليست قوى خارجية لا يملك البشر السيطرة عليها، كل منا مسؤول عن توجيه التطورات في سلسلة القرارات اليومية التي نتخذها كمواطنين ومستهلكين ومستثمرين إلى تكريس مفاهيم الثورة الصناعية الرابعة. وعلينا أن ننتهز الفرص والاستفادة من الإمكانات المتوافرة لنا والسلطات التي بين أيدينا لتشكيل الثورة الصناعية الرابعة التي نعيش مراحلها الأولى، وتوجيهها نحو مستقبل يعكس الأهداف الإستراتيجية المرسومة، والمحافة على القيم الاجتماعية، وتحقيق المصالح الاقتصادية، وحماية الأمن القومي.
الخلاصة:
الدول الغنية قادرة على التغلب على التحديات غير المسبوقة للاستفادة من الفرص الفريدة التي تتمتع بها، لتطوير التقنيات العشر الرئيسة في الثورة الصناعية الرابعة.